تساؤل ينطلق من أرض الكنانة: هل بدأ الإسلام في الجزيرة العربية منذ خلق الله الإنسان؟ وكيل الأزهر: لو انتقلت سفارات العالم كله.. ستظل »القدس» عربية إسلامية.. وعاصمة فلسطين إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها الأمير سلطان بن سلمان: المحافظة علي الأوطان لا تنحصر في بناء الجيوش وتأمين الحدود فحسب وإنما بتعزيز الهوية وترسيخ الانتماء د. زاهي حواس: الاكتشافات أظهرت لوحة صخرية تحمل اسم الملك رمسيس الثالث.. وأثبتت لأول مرة وجود علاقات تجارية بين الفراعنة والجزيرة العربية د. صالح لمعي: عمارة الطين عبرت بصدق عن العلاقة بين الإنسان والبيئة والمهارة الحرفية والأصالة وأعطت الفنان العربي شخصيته المتميزة جامعة أكسفورد تثبت وجود بحيرات وأنهار في الجزيرة وحياة بشرية منذ 90 ألف سنة يتعرض تراثنا الحضاري علي مدي التاريخ لمؤامرات سلب ونهب وإهمال، وحفل بمخططات متعمدة لطمس التراث الإسلامي وتدميره، والانقضاض علي أوطاننا وتشويه هويتنا، وتفتيت عروبتنا وتشتيت شعوبنا، ويأتي القرار الأمريكي باعتبار القدسالمحتلة عاصمة لإسرائيل، ليجسد هول الجريمة التي حيكت خلال العقود الماضية، لتهويد زهرة المدائن، ويزيح الستار عن دناءة المؤامرة الصهيونية، لسلب الهوية الإسلامية والعربية من مدينة السلام، التي يقطن فيها المسجد الأقصي المبارك أولي القبلتين شامخا، وشاهدا علي هوية أرض الأديان السماوية وعروبتها، وتبقي قبة الصخرة التي عرج منها رسول الإسلام إلي السموات العلي منارتها المضيئة، وتظل القدس عاصمة فلسطين إلي أبد الأبدين. من هنا جاءت أهمية المشروع الذي يتبناه أول رائد فضاء عربي، الأمير سلطان بن سلمان للكشف عما تخبئه رمال الجزيرة العربية من تراث أثري، وما تحفظه أرض المملكة من أسرار تعيد كتابة التاريخ الإنساني، وتحاول الإجابة علي سؤال: هل بدأ الإسلام في الجزيرة العربية منذ خلق الله الإنسان علي الأرض؟ إذا كانت المملكة العربية السعودية تتجه نحو إنشاء أكبر مدينة علمية تقفز بها إلي المستقبل، فهي تتجه في الوقت ذاته لإعادة اكتشاف ماضيها واستقراء تاريخها، لترسيخ الهوية وتعزيز الانتماء في نفوس المواطنين، وإيمانا منها بخطورة تفريغ المواطن العربي من انتمائه لعقيدته وعروبته، وارتباطه بحضارة بلاده، وإدراكا بأن المحافظة علي الأوطان لا تنحصر في بناء الجيوش وتأمين الحدود فحسب، وإنما بتنشئة أجيال واعية بتاريخ أوطانها، ومدركة أهمية المحافظة علي مكتسباتها الوطنية والإنسانية، باعتبارها إنجازات حضارية تعاقبت علي تحقيقها الأجيال. جاء الأمير سلطان بن سلمان إلي القاهرة ليطلق ورقته البحثية التي تطرح تساؤلا يفتح نافذة للتأمل والتفكير أمام العلماء، وخلال الصالون الثقافي الذي نظمه السفير أحمد قطان في منزله بالزمالك، وحضره نخبة من علماء الآثار والمفكرين والكتاب وعدد من رؤساء الصحف، استمعنا لرؤية رائد الفضاء العربي حول تلك الورقة المستندة علي استقراء الاكتشافات التي توصل إليها علماء الآثار حول التاريخ الحضاري للجزيرة العربية. تعزيز الانتماء والهوية في بداية حديثه قال الأمير: إن العناية بآثار الحضارات الإنسانية علي أرض الجزيرة العربية يعد من وجهة نظري اهتماما بتاريخ الدين الإسلامي والحضارة العربية والإسلامية، وقد حرصت في اجتماع وزراء الثقافة العرب علي تأكيد أهمية تعزيز الهوية والانتماء لدي شعوب الأمة، وأوضحت خطورة تفريغ المواطن العربي من انتمائه لعقيدته وعروبته، وقيمة ارتباطه بتاريخه وأرضه، فالمحافظة علي الأوطان لا تنحصر في بناء الجيوش وتأمين الحدود فحسب، وإنما تتعداه إلي تنشئة جيل واع بتاريخ وطنه، ومدرك لكيفية تحقيق المكتسبات الوطنية والإنسانية، وأهمية الحفاظ علي تلك الإنجازات التاريخية التي حققتها الأجيال المتعاقبة . وأضاف: أردت من الطرح الموجود بين دفتي هذا البحث، فتح نافذة للتفكير والتأمل، في أمر له في ظني أهمية بالغة لدي معشر المسلمين، ألا وهو بدء الإسلام في الجزيرة العربية منذ بداية الخلق، وبعد تفكير وتأمل بما احتواه القرآن الكريم، وما ثبت عن الرسول الأمين صلي الله عليه وسلم، ومن تداول الآراء مع نخبة من علماء الشريعة والآثار والتاريخ، الذين أثروا الموضوع بأفكارهم وملاحظاتهم القيمة، خرجت تلك الورقة البحثية. لقاء آدم وحواء يقول الأمير: ورد في بعض المصادر أن سيدنا آدم أبو البشر وأول المسلمين التقي بزوجته »حواء» قرب مكة، وهذه الرواية تدل علي قدم تلك الأماكن المقدسة، وأنها شهدت بواكير ديانة الأمة الواحدة، ويذكر بعض المفسرين أن إبراهيم عليه السلام عندما أمره الله بالتوجه إلي مكة قام بإعادة بناء الكعبة، وأن قواعدها كانت مدفونة في ربوة تتوسط الوادي، أما بناؤها فكان في زمن سابق، وكان سيدنا إبراهيم علي ملة الإسلام بشهادة الخالق عز وجل، وقضي الله أن يكون الإسلام الذي نزل علي سيدنا محمد صلوات الله عليه آخر الأديان وخاتمها. وهذه الحقيقة تدعونا للتفكير، لماذا اختار الله أن ينزل الإسلام في مكة، وأن يكون أول بيت لعبادته في قلب الجزيرة العربية، وبين الحدثين أزمان وعصور تطاول عمر الإنسان في الأرض؟ المؤكد أن ذلك ليس مصادفة، فكل شيء عند الله بمقدار. ويضيف: رغم أن الدراسات الأثرية لعصور ما قبل التاريخ في الجزيرة العربية، بدأت حديثا نسبيا، فإن الأبحاث والحفائر تشير إلي وجود استيطان حضاري بشري في مواقع عدة بالمملكة، يعود تاريخها إلي العصر الحجري القديم، ومواقع حول مكة من العصر الحجري القديم والحديث تغطي فترة ممتدة من 350 ألف سنة قبل الوقت الحاضر، وهو ما يثبت أن الجزيرة لم تكن يوما خاوية من السكان، بل إنها أقدم مناطق الاستيطان البشري في العالم القديم. ليس هذا فحسب بل إن البعثات الأثرية أثبتت أن الجزيرة العربية كانت خضراء لفترات عدة، وغنية بالأنهار والبحيرات والحياة البشرية والحيوانية قبل التصحر الذي يعود إلي 10 آلاف سنة، كما أجرت جامعة كورنيل الأمريكية دراسة علي جينات السكان الأصليين للجزيرة أوضحت أن سكان أوروبا وآسيا استوطنوا في الجزيرة وانحدروا منها قبل انتقالهم منها. قوافل الحج والتجارة وقد كانت مكةالمكرمة محورا استراتيجيا حضاريا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا، وملتقي للقوافل التي تأتي للحج والتجارة، والتي كانت بمثابة وسائل تواصل عالمية، وعلاقات دولية في الفنون والعلوم، أشبه بما تقوم به شبكات التواصل الإلكترونية في عصرنا الحديث، مما شكّل قوة سياسية واقتصادية متنامية وساعد علي انتقال رسالة الإسلام، وهذا ما ينفي أن سكان هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم، تجار نفط ورعاة أبل، مثلما يردد بعض الذين يجهلون تاريخ ورسالة هذه الأرض! ورغم أن الحديث كان يدور حول الورقة البحثية المتعلقة بتاريخ المملكة، إلا أن قضية المحاولات الصهيونية لتهويد القدسالمحتلة، ألقت بظلالها علي جلسة الحوار، الذي واكب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل سفارة بلاده وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل!! قرار همجي وباطل وقد علق د. عباس شومان وكيل الأزهر الشريف قائلا: قرار الرئيس الأمريكي باطل، وحتي لو نقلوا سفارات العالم كله.. ستظل »القدس» عربية إسلامية، وعاصمة »فلسطين» إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها، وستظل قضية أرض الأقصي المبارك قضية كل العرب والمسلمين، ولولا التمزق والتفكك، والمكائد التي حيكت للأمة، وزرع الفتن وتفريق كلمة المسلمين وإنهاك قوتهم، لما جرؤ أحد علي إعلان مثل هذا القرار الهمجي الذي هو والعدم سواء، فالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني باطل، وما هو إلا قرار احتلال. من جانبه يري د. زاهي حواس أن العمل الجاد الذي قاده الأمير سلطان بحب وعشق لتاريخ وحضارة بلده، يمثل تحديا عظيما، وأن عمليات ترميم المواقع الأثرية والحفائر والاكتشافات، وتشجيع بعثات آثار ألمانية وفرنسية وبريطانية وإيطالية وأمريكية علي البحث والتنقيب، وكذلك استعادة الآثار المسروقة، وبناء المتاحف الإقليمية والقومية، وتشجيع السياحة الداخلية، كل ذلك في رأيي يمثل إنجازا كبيرا علي مدي 15 عامًا من العمل الجاد. رمسيس الثالث في الجزيرة وحول اكتشاف لوحة صخرية تحمل اسم الملك رمسيس الثالث في واحة تيماء، قال د. حواس إن هذا الكشف يثبت لأول مرة وجود علاقات تجارية بين المصريين القدماء والجزيرة العربية، بعد أن كانت هذه العلاقات معروفة فقط بين مصر وسوريا وفلسطين والعراق، وأود أن أشيد هنا بالبرنامج القومي الذي يشرف عليه الأمير شخصيًا لاستعادة آثار المملكة العربية السعودية المسروقة، والنجاح في استعادة 30 ألف قطعة أثرية من خارج المملكة، و116 ألف قطعة أثرية من داخل المملكة، وتسجيل أربعة مواقع أثرية بقائمة التراث العالمي يعد إنجازا حقيقيا . كما يري أن مشروعات الترميم والتنقيب، وظهور مجموعة اكتشافات أثرية حديثة في شبه الجزيرة العربية يشير إلي وجود حضارة تاريخية كانت تتمركز في قلب الصحراء القاحلة، ازدهرت قبل آلاف السنين، وقد أثارت تلك الاكتشافات الشغف العلمي بشأن الإنسان. ويعتبر د. حواس أن الكشف عن مقبرة كاملة خاصة بملكة أو أميرة، أحد أهم الاكتشافات، وقد عثر داخلها علي مجوهرات وأدوات كانت تستخدم في الحياة اليومية، كما عثر علي عظمة بشرية في بحيرة جافة بمحافظة تيماء، وبعد دراستها، حدد العلماء أن عمرها يعود إلي 90 ألف سنة، وبذلك يمكن القول: إن هذه العظمة أقدم عظمة بشرية، وتؤكد أن أصل العالم كله جاء من السعودية. فنون عمارة الطين الحديث حول أهمية المشروع لا تكتمل دون الحديث مع العالم الجليل د. صالح لمعي مدير مركز إحياء تراث العمارة الإسلامية، وأحد العلماء الذين لهم بصمات ومساهمات عديدة علي مستوي العالم، تم اختيار مركز إحياء تراث العمارة الإسلامية ضمن مجموعة من المراكز العالمية كاستشاري لمشروع تطوير منطقة الدرعية التاريخية في مجال الترميم وإعادة التأهيل للمنطقة بأكملها. ويضم مشروع تطوير منطقة الدرعية ثلاثة أجزاء: تطوير منطقة حي الطريف، حي البوجيري ومشاريع لتطوير شبكة من الشوارع والطرق والخدمات المرتبطة بها، وحي الطريف التاريخي هو واحة خضراء في قلب الصحراء بها مزارع وبساتين وأشجار النخيل، تقع علي ضفاف وادي حنيفة، شمال غرب مدينة الرياض، وهو تراث ثقافي وطبيعي وحضاري، ويعد وثيقة معمارية من وثائق الدولة السعودية الأولي، وقد ارتبطت عمارة الطين فيها بالجذور، واستمدت معانيها من الجوهر والمضمون روعي فيها المعمار الخالص العمراني للأنماط التراثية المتوارثة والظروف البيئية المتغيرة، وكانت الطبيعة فيها مصدر الإلهام، وإيقاظ الحس عند الإنسان باستخدام مواد من البيئة المحيطة، وعبرت بصدق عن العلاقة بين الإنسان والبيئة الطبيعية والمهارة الحرفية والأصالة الفنية، وأعطي فيها الفنان والمعمار العربي شخصيته المتميزة في تشكيل غلاف الجسد العمراني وأصبحت العمارة في خدمة وسلامة وراحة الإنسان.
لقد أهملنا تراثنا الأثري وكنوزنا الحضارية عقودا طويلة، وحان الوقت لتدارك الإهمال والغفلة، فالتمسك بهويتنا وجذورنا وتاريخنا.. هو سبيلنا لتعزيز قيم الانتماء والولاء، وسلاحنا في مواجهة محاولات سلب إرادتنا ونهب أوطاننا وتمزيق شعوبنا.. فمن ليس له ماض ليس له حاضر.. ولن يكون له مستقبل.