ألقي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود. رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالمملكة العربية السعودية. محاضرة ثقافية شاملة في صالون "رياض النيل" الذي أداره السفير أحمد عبدالعزيز قطان. سفير المملكة العربية السعودية بالقاهرة. وعميد السلك الدبلوماسي العربي وتطرق خلالها إلي مجموعة من الأفكار والموضوعات التي ترتبط بقضايا المنطقة العربية. وأشار فيها إلي أهمية تعزيز الهوية والانتماء في نفوس مواطني الدول. مبينا خطورة تفريغ المواطن العربي من انتمائه لعقيدته وعروبته. وقيمه. وارتباطه بتاريخه وحضاراته وأرضه. ومؤكدا أن المحافظة علي أوطاننا لا تنحصر في بناء الأمن فقط. بل تتعداه إلي تنشئة جيل واع بتاريخ وطنه وكيف تحققت مكتسباته الوطنية والانسانية موضحا أهمية المحافظة عليها كمنجز تاريخي تعاقبت علي تحقيقه الأجيال. الإسلام دين عالمي قال شقيق ولي العهد السعودي. خلال المحاضرة: إن المملكة العربية السعودية تساهم في مستقبل البشرية وشعبها مكلف برسالة سامية لتحقيق ازدهار العالم وإن شعب هذه الأرض المباركة قادر علي بناء مستقبل زاخر بالخير والازدهار وإنه مهيأ لأن يكون مساهما فاعلا في مستقبل البشرية مادام واثقا بدينه. متسلحا بالقيم والأخلاق والقدرات التي توارثها عبر الأجيال. مؤمنا بأن الإسلام دين عالمي وأنه دين الانفتاح والتسامح والتطوير المستمر والمتواصل عبر مراحل التاريخ. أضاف: لقد شهدت أرض الجزيرة العربية أحداثا مهمة عبر أطوار التاريخ وتعاقبت عليها الحضارات. مما أكسب شعوبها في الماضي والحاضر مهارات وخبرات متوارثة ومتجددة في مجالات عدة أتي ذكرها سالفا ومنها الأدب والشعر والفنون والعلوم وفي التجارة والسياسة والحرب وإدارة العلاقات الدولية في محيط الجزيرة العربية. ما يؤكد ان سكان هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم ليسوا تجار نفط أو سواق إبل كما يردد من يجهل تاريخ ورسالة هذه الأرض الشامخة عبر العصور بل إنهم يعيشون في أرض كرمها الله بالإسلام. دور ريادي .. ومسئولية تاريخية أكد: "لقد كلف شعبها برسالة سامية ومسئولية جسيمة ومكنهم في الأرض ليكون لهم مكانة بين الأمم ودور رائد في مستقبل البشرية. وما داموا ثابتين علي المبادئ التي حققت لهم الخير والازدهار وواعين بمسئوليتهم التاريخية ومكانتهم الحضارية والمستحقة بين الأمم. فمن الطبيعي أن يكون لهم دور ريادي في مستقبل هذا العالم باذن الله تعالي". قال الأمير السعودي: في محاضرة ألقيتها في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية بتاريخ 18 جمادي الآخرة 1431ه الموافق 1 يونيو 2010م والكلمة التي ألقيتها في مؤتمر الجزيرة العربية الخضراء بجامعة أكسفورد بتاريخ 2 جمادي الآخرة 1435ه الموافق 2 أبريل 2014م وفي كلمة ألقيتها في اجتماعات الدورة الثمانة عشرة لوزراء الثقافة في البلاد العربية بالشارقة بتاريخ 5 ربيع الأول 1437ه الموافق 16 ديسمبر 2015م أكدت علي حقيقة مفادها: ان الإسلام امتداد للأديان السماوية وجوهره التوحيد الخاص لله تعالي. وهو دين الفطرة الذي اختاره الله سبحانه وتعالي للبشرية منذ خلقها الله وأن اختيار الجزيرة العربية مهبطا للوحي ومهدا لرسالة الإسلام الخاتمة التي نزلت علي النبي محمد- صلي الله عليه وسلم- امتداد لذلك التدبير الإلهي وأن مسار الحضارة في الجزيرة العربية مرتبط بهذا الموضوع الأهم في تاريخها ولذا فإن الإسلام لم ينزل في أرض مفرغة من الحضارات بل إن كل ما وقع علي أرض الجزيرة العربية من أحداث دينية وحضارية وانسانية كانت بمثابة مقدمات وبشائر هيأت وأفضت إلي بزوغ شمس الإسلام من هذه الأرض المباركة لذلك فالعناية بآثار الحضارات الانسانية علي أرض الجزيرة العربية تعد في نظري من باب العناية بتاريخ الدين الإسلامي والحضارة العربية والإسلامية في مكان قدر الله أن يكون مهيأ عبر مراحل تاريخية متعاقبة ليشهد انطلاق الإسلام دينا للبشرية جمعاء وفي لحظة تاريخية مقدرة منذ الأزل والله أعلم. تعزيز الهوية والانتماء وأضاف: في كلمة ألقيتها في اجتماعات الدورة الثامنة عشرة لوزراء الثقافة في البلاد العربية بالشارقة بتاريخ 5 ربيع الأول 1437ه الموافق 16 ديسمبر 2015م أكدت فيها أهمية تعزيز الهوية والانتماء في نفوس مواطني الدول وبينت خطورة تفريغ المواطن العربي من انتمائه لعقيدته وعروبته وقيمه وارتباطه بتاريخه وحضاراته أرضه فمهمة المحافظة علي أوطاننا لا تنحصر في بناء الأمن فقط بل تتعداه إلي تنشئة جيل واع بتاريخ وطنه وكيف تحققت مكتسباته الوطنية والانسانية وأهمية المحافظة عليها كمنجز تاريخي تعاقبت علي تحقيقه الأجيال وفق منظومة القيم والثوابت التي نعتز بها. استطرد: لقد أردت من ذلك الطرح فتح نافذة للتفكير والتأمل في أمر له في ظني أهمية بالغة لنا معشر المسلمين. ألا هو بدء الإسلام ولقد دفعني ذلك إلي استقراء التاريخ الحضاري للجزيرة العربية وعلاقته بدعوة التوحيد من خلال ما هو متاح حتي الآن من محتوي تاريخي ومعلومات توصلت إليها مكتشفات الآثار التي لاتزال في بدايتها في الجزيرة العربية وبعد تفكير وتأمل بما احتواه القرآن الكريم وما ثبت عن الرسول الأمين محمد- صلي الله عليه وسلم- وبعد تداول الآراء حيال هذا الموضوع المهم ومع نخبة من علماء الشريعة وعلماء الآثار والتاريخ الذين أثروا هذا الموضوع بأفكارهم النيرة وملاحظاتهم القيمة. جاءت هذه الورقة. تابع: يقول الله سبحانه وتعالي في كتابه العزيز: "إن الدين عند الله الإسلام" "سورة آل عمران: آية 19" وآدم عليه السلام هو أبو البشر وأول المسلمين قال سبحانه وتعالي: "إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين" "سورة ص الآيتان 71. 72" وورد في بعض المصادر الإسلامية ان آدم عليه السلام عندما أهبطه الله إلي الأرض التقي بزوحته حواء قرب مكة وعلي الرغم مما يذهب إليه كثير من أهل العلم من أن اجتماع آدم بحواء قرب مكة ورد في الإسرائيليات فإن هذه الرواية تدل علي قدم تلك الأماكن المقدسة وأنها شهدت بواكير ديانة الأمة الواحدة. ونستشهد بقول الله سبحانه وتعالي "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين" "سورة آل عمران: آية 96" حيث يذكر بعض المفسرين ان إبراهيم عليه السلام عندما أمره الله بالتوجه إلي مكة في القرن الثامن عشر قبل الميلاد قام بإعادة بناء الكعبة وأن قواعدها كانت مدفونة في ربوة صغيرة تتوسط الوادي وأن بناءها ابتداء كان في زمن سابق لإبراهيم عليه السلام ويستدلون علي ذلك بقوله تعالي: "وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت" "سورة البقرة: آية 127" أي أن قواعد البيت أي أساساته كانت موجودة قبله. وأنه عليه السلام هو من رفعها إلي المستوي الذي بنيت عليه الكعبة في زمانه عليه السلام فكان إبراهيم عليه السلام علي ملة الإسلام بشهادة الخالق جل وعلا الذي قال: "ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين" "سورة آل عمران: آية 67". الإسلام رسالة اكتملت حيث بدأت أوضح قائلا: لقد قضي الله أن يكون الإسلام الذي نزل علي محمد- صلي الله عليه وسلم- آخر الأديان وخاتمها كما قال تعالي: "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين" "سورة الأحزاب: آية 40" ولكونه عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين فإن الدين الذي جاء به هو خلاصة الأديان الشامل لعموم البشرية وعلي مختلف الأزمان وهذه الحقيقة تدعونا إلي التفكير في السؤالين التاليين: لماذا اختار الله سبحانه وتعالي أن ينزل الإسلام في مكةالمكرمة في جزيرة العرب؟ ولماذا قدر الله سبحانه وتعالي أن يكون أول بيت لعبادته في الأرض في مكةالمكرمة في قلب جزيرة العرب أيضا؟ وبين الحدثين أزمان وعصور تطاول عمر الإنسان في الأرض! قطعا ذلك ليس هذا مجرد مصادفة. فالله سبحانه وتعالي يقول: "وكل شيء عنده بمقدار" "سورة الرعد: آية 8" ولعل الله سبحانه وتعالي أراد لرسالة الإسلام أن تكتمل حيث بدأت والله سبحانه وتعالي أعلم. الجزيرة العربية أقدم مناطق الاستيطان البشري وأضاف: من المؤكد ان الدراسات الأثرية لعصور ما قبل التاريخ في الجزيرة العربية انطلقت متأخرة عما وجد من خلال الأبحاث الأثرية في شرق أفريقيا ومناطق أخري من العالم وهي في المملكة العربية السعودية حديثة نسبيا وعلي الرغم من ذلك فإن نتائج الأبحاث والمسوحات الأثرية التي قام ويقوم بها قطاع الآثار والمتاحف في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في المملكة بالتعاون مع خبراء محليين ودوليين ومؤسسات وجامعات علمية مرموقة علي المستويين الدولي والمحلي. تشير إلي وجود استيطان حضاري بشري في مواقع عدة في المملكة العربية السعودية ويعود تاريخ بعضها إلي فترة العصر الحجري القديم وهناك مواقع عدة حول مكةالمكرمة من فترة العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث بفتراته المتعددة تغطي الفترة الزمنية الممتدة من 350 ألف سنة قبل الوقت الحاضر نزولا إلي سبعة آلاف سنة قبل زمننا هذا وعليه فإن الجزيرة العربية بجميع مناطقها: شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ووسطا لم تكن يوما ما من الأيام خاوية الحياة أو خالية من السكان. بل إنها احدي أقدم مناطق الاستيطان البشري في العالم القديم وذلك بشهادة الأدلة الأثرية المستكشفة حتي الآن. أوضح ان علم الآثار علم متجدد بما يكتشف من مكوناته ولذلك نلحظ في الآونة الأخيرة ان علماء الآثار والمختصين في دراسات علم الانسان من جميع أنحاء العالم يركزون في أبحاثهم علي الجزيرة العربية وقد قاد هذا التوجه علماء آثار معروفون من أوروبا وأمريكا وعلماء من المملكة العربية السعودية ودول الخليج والدول العربية الأخري إلي دراسة معابر الهجرات الأولي للانسان القديم عبر الجزيرة العربية قبل انتشاره في بقية أنحاء العالم وكان للعثور علي أدلة أثرية تؤكد هذه الحركة المبكرة في تاريخ الانسان في المملكة العربية السعودية وعدد من دول الخليج العربي واليمن أثر كبير في تحويل قضية عبور الانسان وانتشاره من فرضية نظرية إلي حقيقة علمية. سكان أوروبا وآسيا استوطنوا الجزيرة العربية .. أولاً قال سلطان بن سلمان: من جانب آخر فإن البعثات الأثرية المشتركة "السعودية. الدولية" العاملة مع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في المملكة العربية السعودية وبالتعاون مع عدد من المؤسسات العلمية والبحثية السعودية ومنها: شركة أرامكو وهيئة المساحة الجيولوجية والجامعات السعودية في إطار برنامج الجزيرة العربية الخضراء مع جامعة أكسفورد المرموقة أثبتت بالأدلة والبالينتولوجية ان الجزيرة العربية كانت مروجا وأنهارا وأنها شدت فترات عدة من التصحر والمناخ الرطب وانها كانت غنية بالأنهار والبحيرات والحياة الحيوانية والبشرية قبل التصحر الأخير الذي يعود إلي عشرة آلاف سنة قبل الوقت الحاضر وهذه النتائج الأثرية أصبحت الآن حقائق معترفا بها لدي علماء الآثار والمناخ القديم في جميع أنحاء العالم مصداقا لحديثه- صلي الله عليه وسلم- "لا تقوم الساعة حتي يكثر المال ويفيض حتي يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها منه وحتي تعود أرض العرب مروجا وأنهارا" رواه مسلم.. كما أنه وبعد دراسة معابر الهجرات الأولي نشرت مؤخرا دراسة قام بها مجموعة من الباحثين من كلية ويل كورنيل الطبية في جامعة كورنيل بنيويورك بالولاياتالمتحدةالأمريكية "Well Cornell Midiline College- CORNEll University New York" والتي أجريت علي جينات السكان الأصليين للجزيرة العربية. أثبتت ان السكان الأصليين لقارتي أوروبا وآسيا استوطنوا في الجزيرة العربية قبل أن ينتقلوا منها وانهم منحدرون من سكان الجزيرة العربية. 10 آلاف بحيرة قديمة أكد بن سلمان: لقد شملت الدراسات العلمية الحديثة ضمن برنامج الجزيرة العربية الخضراء العديد من المواقع الأثرية في المملكة ومواقع البحيرات القديمة في صحراء النفود شمال المملكة وصحراء الربع الخالي جنوبها إلي جانب مواقع أخري ارتبطت بوجود الانسان خلال فترة ما قبل التاريخ وأفادتنا الدراسات الأثرية والبيئية المعمقة عن احتمالية انتشار وانحسار المجموعات البشرية والحيوانية وهدفت تلك الدراسات المستمرة إلي التقصي عن كيفية ارتباط هذه الأحداث مع تعاقب فترات الرطوبة والجفاف في العصرين البليستوسيني والهولوسيني حتي وقتنا الحاضر وكيفية تكيف تلك المجموعات البشرية والحيوانية مع مجمل هذه التغيرات ودلت آخر الدراسات الميدانية التي قام بها برنامج الجزيرة العربية الخضراء علي ان الجزيرة العربية كانت خضراء لفترات عدة في التاريخ حيث تم اكتشاف آثار تعود إلي 350 ألف عام وبلغ عدد البحيرات الجافة التي تم رصدها حتي الآن في مختلف مناطق المملكة من قبل العلماء المختصين "10.000" بحيرة. تتابع الرسالات السماوية بالجزيرة العربية قال الأمير السعودي: بالاضافة إلي ذلك فإن المتأمل في التاريخ الحضاري للجزيرة العربية يدرك ان مسار هذا التاريخ بني علي تتابع الرسالات السماوية لتحقيق توحيد الله بالعباد وما كان في ذلك من صراعات بين الرسل وأقوامهم منذ أن وضع الله بيته الأول علي أرض الجزيرة العربية في مكةالمكرمة ومرورا بالأمم البائدة "عاد وثمود" التي عاشت في الجزيرة العربية وورد ذكرها في القرآن الكريم وانتهاء بالإسلام- رسالته الخالدة في المكان نفسه وكل ما كان بين هذا وذاك- والله أعلم- كما في اعتقادنا تهيئة وتحضير لاستقبال أعظم حدث شهدته الجزيرة العربية في تاريخها وهو نزول القرآن الكريم علي آخر الأنبياء محمد- صلي الله عليه وسلم- وتكليفه- صلي الله عليه وسلم- برسالة الإسلام إلي الناس كافة وان ما قام به أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام وتتابع الرسالات السماوية والأديان التي جاءت بعده في منطقة الشرق الأدني ما هي إلا تجديد لعقيدة التوحيد وتمهيد مبكر لبزوغ شمس الإسلام ومحمد- صلي الله عليه وسلم- يناهز أربعة وعشرين قرنا فخلال تلك الفترة ظهرت الممالك العربية علي أرض الجزيرة العربية: المبكرة "دلمون ومدين وأدوم وقيدار" والمتوسطة "سبأ ولحيان ومعين والجرهاء وكندة الأولي والأنباط" والمتأخرة "الغساسنة والمناذرة وكندة الثانية" وتشكلت المقومات الرئيسية لاقتصاد الجزيرة العربية الذي اعتمد علي التجارة عبر منظومة من طرق التجارة "جنوبا وشمالا وشرقا وغربا" وطرق الحج مستفيدا من الموقع الجغرافي المتميز للجزيرة العربية بوصفها نقطة التقاء لحضارات شرق العالم القديم وغربه. تهيئة شعوب الجزيرة لرسالة الإسلام أوضح ان نشوء هذه الممالك والحضارات والحراك الانساني والاقتصادي والثقافي والسياسي المصاحب لها والقوي التي نشأت لتؤمن وتحمي وتشارك في حركة التجارة الدولية هيأت في اعتقادي شعوب الجزيرة العربية ثقافيا واقتصاديا وعسكريا وسياسيا لحمل الأمانة الكبري وهي تسلم رسالة الإسلام ونشرها. تطور اللغة العربية قال بن سلمان: كما شكل تطور اللغة العربية المتفوقة التي نزل بها القرآن الكريم ونضوج أساليبها وصيغها وامتلاك العرب ناصية البيان في لغتهم التي بلغوا فيها قمة الفصاحة والبلاغة خطوة رئيسية في مسار التهيئة فلقد نزل القرآن الكريم في فترة تاريخية يعتز فيها شعب الجزيرة العربية ويفاخر بلغته المتفوقة وبرزت ملامح ذلك التفوق في الخطابة وشعر المعلقات الذي أمنت له مواسم الحج وأسواق العرب وأهمها عكاظ- الذائع الصيت والانتشار- فأصبحت اللغة العربية جاذبة لأن يتعلمها ويتداولها الناس ولتنتقل مع قوافل الحج والتجارة إلي اصقاع المعمورة مما ساهم والله أعلم وفي تهيئتهم لاستقبال وفهم لغة القرآن الراقية لحظة نزوله علي النبي الأمي ولتتحقق بذلك معجزة القرآن الذي تحدي العرب بالرغم من تفوقهم اللغوي أن يأتورا بمثله. إذ قال تعالي في محكم كتابه: "قل لئن اجتمعت الانس والجن علي أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا" "سورة الإسراء: 88". تابع: كما تطور الخط العربي من خلاصة أقلام عدة كتب بها العرب طوال ألفي سنة قبل الإسلام ليكون الخط العربي قادرا علي تدوين القرآن عند نزوله ودليل ذلك ان أول آية نزلت في القرآن الكريم تدعو إلي القراءة والكتابة إذ قال تعالي في محكم كتابه: "اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم" "سورة العلق: الآيات 1:5". أوضح الأمير السعودي: كما ان دعوة إبراهيم عليه السلام لربه بتوفير الأمن والرخاء لسكان المكان الذي بنيت فيه الكعبة المشرفة ونزل فيه القران الكريم لم تكن خاصة بمكةالمكرمة وحدها في غالب الظن- والله أعلم- وإنما شملت كامل الجزيرة العربية ما حولها كوحدة جغرافية وبشرية سخرها الله لخدمة الحرمين الشريفين واستقبال الإسلام والانطلاق به إلي أرجاء الدنيا ولم تكن مقصورة علي عصره بل ممتدة إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها. قال تعالي في محكم كتابه وعلي لسان نبيه إبراهيم عليه السلام: "ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون" "سورة إبراهيم: الآية 35". أضاف: لذلك فإن دعوة إبراهيم عليه السلام ربطت الصلاة "التي هي عماد الدين" وما يشمل ذلك من عبادات وقيم أخلاقية وانسانية سامية أتي بها دين الإسلام بالخير والازدهار والاستقرار والرفعة في الجزيرة العربية وأن التزام شعوب هذه الأرض المباركة بذلك هو من باب إجابة الله دعوة خليله إبراهيم عليه السلام ومن باب شكره تعالي علي نعمه. قال تعالي في محكم كتابه: "لعلهم يشكرون" "سورة إبراهيم: 37" وهو أساس لاستمرار نعم الله عليهم من خير ورفعة وأمن إذ آمنوا بالله وأخلصوا دينهم لله. قال تعالي في محكم كتابه: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" "سورة الأنعام: الآية 82". واستطرد: لقد جعل بناء الكعبة أفئدة الناس تتجه إلي جزيرة العرب وقلبها مكةالمكرمة للحج مصحوبا بالتجارة وتبع ذلك النشاط المنظم لرحلة الشتاء والصيف والنشاط الاقتصادي والثقافي لسوق عكاظ "570-747م" وغيره من أسواق العرب قبل الإسلام وبعده والتداول السياسي بين قريش ومحيط الجزيرة العربية فأصبحت الجزيرة العربية عبر مراحل تاريخها مهيأة اقتصاديا وسياسيا وحضاريا وثقافيا لنزول القرآن الكريم وبزوغ شمس الإسلام في لحظة تاريخية مقدرة وصلت فيها تلك المعطيات ذروتها في مكةالمكرمة وأصبح المجتمع البشري في الجزيرة العربية في كامل رشده ونضوج فكره في مطلع القرن السابع الميلادي. أشار إلي أن الرسول الأمين محمد- صلي الله عليه سلم- بعد نزول الإسلام باشر توحيد قبائل الجزيرة العربية لتساهم في حمل راية الإسلام إلي بقية شعوب الأرض وهي أول وحدة شهدتها الجزيرة العربية في تاريخها حيث بادرت قبائل العرب إلي الإسلام وأقبلت الوفود إلي النبي- صلي الله عليه وسلم- من كل حدب وصوب كما قال الله تعالي في كتابه الكريم: "ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا" "سورة النصر: آية 2" ومنها وفد: بنو عبدالقديس "من شرق الجزيرة العربية" ووفد نجران ووفد بني حنيفة وبني تميم وبني عامر "من نجد" والحميريين والمراديين من أهل اليمن وطيء من بلاد الجبلين وجذام من شمال غرب الجزيرة وثقيف من الطائف وغيرهم كثير وخلف تلك الوفود ألوف مؤلفة ممن أسلموا بإسلام قادتهم من قادة العرب وتعامل الرسول- صلي الله عليه وسلم- مع وفود القبائل بمختلف مداركهم وعاداتهم وتقاليدهم بما تقتضيه أصول الضيافة والترحاب لدي العرب وعرفهم بأحكام الدين وشرائعه فكانت هدايتهم هداية لمن وراءهم من قبائل العرب. تأسيس الدولة الإسلامية الكبري أضاف: فنهض شعب الجزيرة العربية لمساندة نبي الأمة لتوحيد أرجائها ونشر الرسالة وتأسيس الدول الإسلامية الكبري التي تعاقبت داخل الجزيرة العربية وخارجها وأبرزها دولة الإسلام الأولي في عهد الرسول- صلي الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين ثم الدولة الأموية والعباسية وما تلي ذلك من دول غير ان الجزيرة العربية شهدت بعد ذلك نشأة العديد من الدويلات والإمارات الصغيرة وعاشت حالة من التشتت السياسي والاجتماعي حتي قامت الدولة السعودية المباركة في منتصف القرن الثاني عشر الهجري "18م" بتوحيد أجزاء كبيرة منها سياسيا وجغرافيا واجتماعيا وبناء كيان راسخ أساسه الإسلام وخدمة المسلمين وترسيخ القيم العربية والإسلامية السامية والعناية بالوقائع التاريخية والتراثية في بلادنا وأهمية إعادة الاعتبار لعلاقتنا مع تاريخ المكان الذي يعيش فيه الانسان وتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار والعمل للمساهمة في مستقبل الانسانية جمعاء وربطت العزة والخير بخدمة الحرمين الشريفين وإعلاء كلمة الإسلام شعارا وقيما ومنهاجا لها وقد تمسك بذلك أئمة الدولة السعودية وملوكها ومواطنوها طوال تاريخها الذي امتد لقرابة ثلاثمائة عام وحتي هذا اليوم ولله الحمد وقد أكد ذلك المبدأ الراسخ الملك المؤسس عبدالعزيز- يرحمه الله- وجميع أبنائه ملوك الدولة من بعده بدون استثناء مؤكدين ان خدمة الحرمين الشريفين والإسلام والمسلمين في أعلي مراتب رسالة الدولة ومهمتها الأولي وان وحدة الجزيرة العربية ورسالة أهلها والدولة التي جمع الله فيها شملهم قد قامت علي تلك المبادئ الراسخة وان استمرارها وازدهارها مربوط بتمسك أهلها بهذه المبادئ والقيم فهي ليست وحدة سياسية وجغرافية فقط بل هي وحدة قلوب علي أرض شكلت قلب الإسلام وقبلة المسلمين. حياة الانسان .. من أين بدأت ؟ أنهي بن سلمان محاضرته قائلا: هكذا فإن السجل الحضاري للجزيرة العربية يعطي احتمالية ان الانسان بدأ من أرض الجزيرة العربية لأن الله تعالي اختارها لتكون حاضنة لبيته العتيق ولرسالته الخاتمة للبشرية جمعاء واختار أراضيها مهابط لنزول القرآن لكريم الذي أنزله الله هدي للناس أجمعين ولاشك أن مستقبل الدراسات الأثرية الميدانية في الجزيرة العربية وعلي وجه الخصوص في المملكة العربية السعودية التي تشكل ثلثي مساحتها كفيل بالاجابة عن التساؤل الكبير الذي يطرحه كثير من الناس وهو: هل حياة الانسان بدأت في شرق أفريقيا وفقا للمكتشفات الأثرية وما يقوله علماء الآثار ولماذا؟ لقد أتي هذا البحث من منطلق ان الإسلام الذي جاء ليؤكد ويجدد التوحيد لله تعالي وأنه دين البشرية وخاتم الأديان وان الله اختار أرض الجزيرة العربية وشعبها لحمل هذه الرسالة السامية وأن التعاقب الحضاري والبشري والاقتصادي الكثيف في هذه الأرض المباركة وعبر التاريخ يدل علي حراك مستمر لتهيئة المكان والانسان لحمل هذه الرسالة السامية إلي العالم.. وإذ أطرح هذه الورقة كمشاهد مسلم- وليس كعالم آثار وتاريخ- مستنيرا بهداية الله تعالي. فإنما هي محاولة لقراءة أكثر شمولية لأهم قضية تمس انسان الجزيرة العربية والمسلمين كافة فمن المهم في هذا العصر الذي يتعايش فيه المسلمون مع الحضارات الأخري وأن نعيد التفكير فيما نحن فيه وما هو دورنا الريادي البناء في الحراك الانساني المستقبلي للأمم والحضارات منطلقين من قراءة جديدة لتاريخ الديانة الربانية الذي بدأ- والله أعلم- منذ خلق الله البشرية وان كل ما حدث منذ ذلك الوقت الذي لا يعلمه إلا الله كان تسلسلا مقدرا أدي إلي بزوغ شمس الهداية من مكةالمكرمة في أرض الجزيرة العربية وعلي يد نبي عربي من خيرة أهلها في فترة زمنية مهمة كانت فيها مكةالمكرمة محورا استراتيجيا حضاريا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا وملتقي للقوافل التي جاءت للحج والتجارة: والتي قلت في ما سلف إنها وفرت وسيلة تواصل عالمية أشبه ما تكون بالشبكة العنكبوتية "الإنترنت" اليوم مما شكل كيانا ذا قوة سياسية واقتصادية متنامية وساعد علي انتقال رسالة الإسلام وهدي القرآن بلغته العربية الراقية حتي تطورت عبر آلاف السنين حتي نزل بها القرآن الكريم إلي أرجاء المعمورة كل ذلك يؤكد ان الإسلام لم ينشأ من أرض مفرغة من الحضارة أو المعرفة أو القيم الأخلاقية العربية الأصيلة مصداقا لقوله- صلي الله عليه وسلم- "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". الأمير سلطان بن سلمان ل"سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز" مسيرة حافلة بالعطاء كللتها نجاحات علي الصعيد العلمي والمهني وهو الشقيق الأكبر لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. والابن الثاني الأكبر لخادم الحرمين الشريفين والعاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز آل سعود. ووالدته هي الأميرة سلطانة بنت تركي بن أحمد السديري وهو أول رائد فضاء عربي وأول رائد فضاء مسلم. ولد الأمير سلطان بن سلمان في 27 يونيو 1956 وبالاضافة إلي مؤهلات الطيران التي حاز عليها في بداية مشواره المهني يحمل الأمير السعودي درجة الماجستير في العلوم الاجتماعية والسياسية من جامعة سيراكيوز في الولاياتالمتحدةالأمريكية 1999 بعنوان "التحول القبلي والبناء الوطني في التجربة السعودية".