علي أرضية الشرعية الثورية عقب إنهاء استيلاء حكم التنظيم الإخواني الإرهابي علي البلاد جاء السيسي مرشحا شعبيا للمنصب الرئاسي الذي فاز به عبر الصناديق الشفافة بأغلبية تاريخية، وقتها عرفته الجماهير فارساً مرتدياً زيه العسكري وقف ثابتاً علي قاعدة الإرادة الشعبية لإنقاذ البلاد، إلا أن منصبه وقتها لم يسمح له بالتعبير المعلن عن حقيقة شخصيته العملية ومدي قدرته علي الإنجاز، وقتها نادته الجماهير إعجابا ببطولته وشجاعته، نادته تحت سيطرة العاطفة الجارفة انبهارا بحالة البطولة التي جسدها الرجل، وهي الحالة التي استمرت لمرحلة ما بعد الانتخابات بفعل قوة المد الثوري الجارف، لكن هذه الحالة لم يكن ينبغي لها أن تستمر طويلا بل إن المنطق كان يفرض الانتقال إلي مرحلة بناء الدولة وتثبيت أركانها ثم إلي مرحلة التواصل مع العالم الخارجي، وبغير ذلك فإننا سنكون قد اخترنا أن نخدع أنفسنا بإرادتنا إذا ما اعتقدنا أن حالة الرومانسية الثورية يمكن أن تكون سبيلا لبناء الوطن. وهو الامر الذي كان سيؤدي بِنَا الي كارثة محققة، لكن المشكلة ان هناك جزءا من النخبة السياسية والثقافية لازالت أسيرة الحالة الثورية وتستدرج الجمهور لان تستغرقه تلك الحالة دون أن تتخذ القرار نحو التوجه الفوري إلي مرحلة العمل والإنجاز علي أرض الواقع، إلا أن عبدالفتاح السيسي رئيسا قرر أن يضع قدميه علي أرض الواقع ليبدأ علي الفور مرحلة التحدي والإنجاز، رغم أن صعوبات المواجهة حتما ستنال من شعبيته، الرجل اتجه نحو أرض الواقع وهو مدرك تماما أن الدولة لايمكن أن تبني علي حالة بطولة اسطورية في لحظة استثنائية، الرجل تجرد تماما من شهوة الانشغال ببناء الشعبية عن حقيقة الانشغال ببناء الوطن، الرجل أبي أن يتلاعب بمشاعر المصريين التي مكنه القدر في لحظة فارقة من الاستحواذ التام عليها، فقرر أن يخاطب عقول المصريين ومنطقهم بشكل مباشر عبر طريق الإنجاز المكثف. أمام هذا الواقع وجد السيسي نفسه رئيسا معلقة عليه الآمال، لكن الرجل قرر التعامل مع الواقع بالواقع بعدما تخلي منذ اليوم الأول عن الحالة الأسطورية التي أحاطته والتي كانت يمكن أن تدفعه نحو التمحور حول ذاته وحوله شعبيته ومشروعه الشخصي لكنه قرر التمحور حول وطنه وشعبه متجها إلي الانتقال من الشرعية الثورية إلي شرعية الإنجاز ليلزم نفسه ويفرض عليها معايير علمية وعملية للتقييم لا تعرف سوي الأرقام والحقائق، وبالتالي لم يعد جائزا أن يستمر التعامل مع الرجل أو إخضاع أدائه للمعايير الثورية أو العاطفية بل لمعايير الواقع، التي يجب أن تنطبق عليه كرئيس حالي وكمرشح محتمل للانتخابات المقبلة، كما يجب أن تنطبق علي كل مرشح لخوض الانتخابات المقبلة بما أن الظرف لا يسمح إلي الاستناد لأي شرعيات رومانسية مؤقتة، ولما كان الأمر كذلك فإنه من هذه اللحظة يكون كل مرشح محتمل بما فيهم الرئيس ملتزماً ببرنامج عملي واقعي دون مزايدات ثورية ودون اللعب علي مشاعر الناخبين. وإذا كنا نتحدث عن لغة الأرقام والحقائق فإن الواجب يقتضينا أن نعرض ما تحقق علي أرض الواقع من إنجازات علي النحو التالي: خفض المستحقات المتراكمة للشركات العالمية من 3٫6 مليار دولار الي 2٫3مليار دولار. افتتاح محطة توليد كهرباء بنها بقدرة 750 ميجا وات. افتتاح محطة توليد كهرباء العين السخنة بقدرة 1300 ميجاوات. محطة توليد شمال الجيزة بقدرة 2250 ميجا وات. محطة توليد كهرباء 6 أكتوبر بقدرة 600 ميجا وات. محطة إنتاج كهرباء من الرياح بجبل الزيت بقدرة 200 ميجا وات. محطة توليد كهرباء جنوب حلوان بقدرة1950 ميجاوات. تنفيذ 148 ألف وحدة سكنية. تنفيذ شبكة طرق جديدة بطول 3200 كم. البدء في إنجاز العاصمة الإدارية الجديدة. حفر قناة السويس الجديدة. البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للرئاسة. الإفراج عن قوائم لمئات الشباب المحبوس. تعيين المرأة في منصب المحافظ. 250 مليون جنيه لإعانة المرأة المعيلة. 250 مليون جنيه لتوفير خدمات الطفولة المبكرة. زيادة المعاشات بنسبة 10٪. القضاء علي قوائم انتظار العلاج من فيروس c. عدد غير مسبوق من الجولات الخارجية. تدشين مشروع مليون ونصف المليون فدان. نجاحات أمنية عير مسبوقة نجحت في تفكيك تنظيمات بالكامل أبرزها أنصار بيت المقدس وأجناد مصر. حفر 5114 بئرا بتكلفة 19٫8 مليار جنيه. إنشاء مدينة دباغة الجلود بالروبيكي. عمليات ضخمة لتسليح الجيش المصري. هذا ما أسعفتنا الذاكرة لاستعراضه. إذن نحن أمام حقيقة لا يمكن إنكارها تعبر عن قدرة الرجل علي العمل والإنجاز كدليل واقعي ، وإذا كان الرجل قد اختار تجريد نفسه من أي رصيد ثوري وبطولي معتمدا علي الإنجاز وبناء مصر المستقبل فإنه لم يعد أمام أي منافس إلا أن يتقدم كمرشح مرتكزا علي أرض الواقع مستعرضا قدراته وإمكانياته لاستكمال ما تم إنجازه وكيفية الحفاظ عليه، كما أن عليه أن يكشف عن برنامجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي من خلال بنود محددة دون التورط المتعمد في استخدام المصطلحات المطاطة لمداعبة مشاعر جمهور الناخبين ومحاولة إعادتهم إلي حالة ثورية نفسية لايمكن أن تستمر علي حساب وجود الدولة، كما أن عليه منذ الآن أن يعد تقييما علميا لما نجح السيسي في تحقيقه وبات أمراً ملموساً للجميع.