يحيي السنوار مسئول حماس في غزة قال لي : لن نكون مأوي للشر أومنطلقا منه ! يوم الاثنين القادم يلتقي في القاهرة وفدان من حماس وفتح لأول مرة منذ عشر سنوات للتفاوض حول مشاكل الأمن والسلاح والمعابر والانتخابات القادمة عرفنا بخبر الرسالة التي يحملها مدير المخابرات من الرئيس السيسي لكن المفاجأة أنها كانت بالصوت والصورة مما ضاعف من تأثيرها حماس ساوت الأرض علي الحدود مع سيناء بعرض 70 مترا ليسهل كشف الإرهابيين وشدت سورا من الأسلاك الشائكة بجانب كاميرات المراقبة التي وضعت وأبراج المراقبة التي شيدت الرئيس الفلسطيني : سأسلم السلطة لمن يفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة إرهابي فجر نفسه في دورية أمنية فلسطينية حاولت الإمساك به قبل التسلل إلي رفح في نهاية أغسطس الماضي لوانطبقت السماء علي الأرض ما صدقت أنني سأجد نفسي في مكتب إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة وأمامنا قهوة وتمر وهو يعبر بصوت هادئ وملامح مستقرة عن فتح صفحة جديدة نقية مع مصر .. مؤكدا علي العلاقة الاستراتيجية معها .. معلنا أن غزة لن تكون منطلقا أومأوي لمن يضر بأمن مصر القومي .. وفي المكتب المجاور كرر » يحيي السنوار » المسئول السياسي عن حماس في غزة نفس المعني بجملة أخري : » لن تكون حماس مأوي للشر أومنطلقا للشر» .. لكن .. الأهم أنه كشف لي عما لديه من تفاصيل عندما سألته عن الطريق الذي مشوا فيه حتي وصلوا إلي هذه القناعة بالكف عن العبث مع مصر وأمنها القومي . كانت مصر تسعي إلي المصالحة بين فتح وحماس بعد عشر سنوات من التشتت والانقسام خسرت فيها القضية الفلسطينية الكثير من أهميتها بل وربما نسيها العالم فلم يكن هناك صوت واحد ووحيد يعبر عنها أويفاوض باسمها أويذكر بها . وفي الوقت نفسه لم يكن من السهل علي مصر أن تقبل بحماس لارتباطها بتنظيم الإخوان الذي فعل في مصر الكثير فكان لابد علي حماس أن تبادر باتخاذ إجراءات علي الأرض تصلح بها موقفها من مصر وتكون بمثابة اعتذار لشعبها عما كان منها . في شهر رمضان » يونيو الماضي» جاء السنوار علي رأس وفد من حماس إلي القاهرة للتفاوض بشأن المصالحة الفلسطينية التي سعت إليها مصر لكن قبل ذلك وافقت حماس علي ترتيبات أمنية علي الحدود في سيناء تثبت حسن نيتها وجدية موقفها . حسب ما سمعت من السنوار : جرت تسوية الأرض في الحدود المشتركة بين مصر وغزة بعرض سبعين مترا لتصبح منطقة مكشوفة .. خالية من المرتفعات والسواتر الطبيعية التي يتواري خلفها الإرهابيون .. ولتفضح كل من يحاول التسلل إلي داخل سيناء .. وشدت أسلاك شائكة بطول الحدود .. وركبت كاميرات تصوير عالية التقنية تأتي بالبعيد والقريب .. وشيدت أبراج مراقبة متعددة ترصد التحركات القادمة .. وكثفت حماس من تواجد قواتها الأمنية هناك .. واعتقلت أعدادا من المتطرفين الذين تشك فيهم .. ونفس الإجراءات تقريبا اتخذت علي الشواطئ المشتركة . قلت للسنوار : » بدأت أصدق أن حماس غيرت موقفها من مصر». ابتسم قائلا : » في نهاية شهر أغسطس الماضي حاولت مجموعة التسلل إلي سيناء للقيام بعمليات هناك فتصدت لها قوات من أبناء القسام (يقصد كتائب القسام) وأفراد من الأجهزة الأمنية ( في حماس) فإذا بها تواجه منتحرا فجر نفسه فاستشهد واحد منا وأصيب آخر» . في الوقت الذي كان فيه وفد حماس في القاهرة كان هناك وفد آخر من فتح جاء لمناقشة المصالحة الفلسطينية . كان كل وفد يجلس في مكان منفصل عن الآخر بينما مسئولو الملف الفلسطيني في المخابرات العامة يتنقلون بينهما في حالة لافتة للنظر من المفاوضات غير المباشرة لا تحدث عادة إلا بين الدول التي بينها عداء شديد . ولم يكن غريبا أن تتولي المخابرات العامة هذه المفاوضات فتاريخها طويل مع الملف الفلسطيني وكل ما سبق من مفاوضات ومبادرات واتفاقات كانت مسئولة عنه . تكررت المفاوضات الأخيرة بين الطرفين في القاهرة عدة مرات واستمرت نحو أربعة اشهر حتي وصلا بجهود مصرية واضحة ومؤثرة إلي المصالحة . لكن .. كيف بدأت الخصومة بينهما ؟ . في مدينة رام الله حيث تتواجد الرئاسة الفلسطينية طلبت إجابة علي السؤال من قياديين في فتح شاركا في المفاوضات هما محمود العلول ( أبوجهاد ) وعزام الأحمد ( أبونداء ) فلم يترددا في ذكر كل ما لديهما من تفاصيل بل أفرطا فيها . كانت حكومة الوفاق الوطني قد تشكلت في عام 2014 برئاسة رامي الحمد الله ولكن بعد 4 أيام دمرت الحكومة عندما شكلت حماس لجنة إدارية لتسيير الحياة في غزة وأصبحت هذه اللجنة بمثابة حكومة موازية للحكومة الشرعية فقطعت فتح العلاقات مع حماس ولم تعد تجلس معها . بل أكثر من ذلك .. سمعت مباشرة من الرئيس محمود عباس ( أبومازن ) أنه لم يتردد في تخفيض ما تقدمه السلطة الفلسطينية إلي غزة ( مليار ونصف المليار دولار سنويا ) بنسبة لا تقل عن 24 % وهوما ضاعف من المشاكل وصعوبات الحياة في غزة خاصة الكهرباء التي لا يتمتع بها المواطن أكثر من أربع ساعات يوميا بالإضافة إلي الاختناقات التي يسببها غلق المعابر مع مصر التي سدت أيضا الكثير من الأنفاق التي تستخدم لتهريب البضائع والأشخاص بين الجانبين . كان الشرط الأول للمصالحة : أن تلغي حماس اللجنة الإدارية . ليأتي الشرط الثاني : وهوتمكين الحكومة من العمل في غزة . لنصل إلي الشرط الثالث : وهوالاتفاق علي الانتخابات التشريعية والرئاسية المعطلة طوال أكثر من عقد . وباتفاق جميع الشخصيات الفلسطينية التي التقيت بها فإن المصالحة تحققت بجهود مصرية هائلة استخدمت فيها مصر الكثير من الأوراق التي لديها بثقة وبراعة مع الطرفين الفلسطينيين بجانب أطراف إقليمية ودولية أخري . في مكتبه بمقر المقاطعة المطل علي أحد مرتفعات رام الله قال لي الرئيس الفلسطيني مضيفا : إننا لن نقبل سوي بالدور المصري لمتابعة المصالحة وضمان استمرارها. واستطرد : إن مصر هي الدولة الوحيدة التي تساعدنا دون أن يكون لها مصلحة من وراء ذلك كما انها تحملت الكثير في سبيل القضية الفلسطينية من قبل عام 1948»عام إعلان إسرائيل» دون مطامع خبيثة أو سعي للتدخل في شئوننا. ورغم رفضه الحلول الإقليمية للقضية الفلسطينية فإنه يقبل بتدخل مصر والأردن والسعودية إذا ما عادت إسرائيل إلي مائدة المفاوضات . وبموافقة حماس علي الشروط الثلاثة أصبحت المصالحة حقيقة قائمة فجري إعلانها في القاهرة .. وحسب ما سمعت من إسماعيل هنية فإن الإعلان جاء في وقت كان فيه أبومازن في الجمعية العامة للأمم المتحدة » حتي يكون الشعب كله وراء الرئيس » . وتلقي أبومازن تأييدا للاتفاق من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفي الوقت نفسه لوحظ أن إسرائيل لم تعترض عليه كما كان متوقعا مما يعني أن جهود مصر في المصالحة تجاوزت الأطراف الفلسطينية إلي دوائر أوسع. ويمكن أن نضيف : إن تغير الظروف في المنطقة بتجميد الدور القطري وفشل الدور التركي وكشف الدور الإيراني وتغير الظروف الدولية بوصول رئيس أمريكي إلي البيت الأبيض لا يطيق مثل سلفه الإخوان جعلت حماس في حاجة للمصالحة . وبجانب الجهود السياسية مهدت مصر للمصالحة بتخفيف متاعب البشر في غزة بأن سمحت بدخول مواد البناء كما مدت محطات الكهرباء بالسولار بجانب إصلاح ثلاث خطوط اضافت 30 ميجاوات مما زادت من عدد ساعات توافر الكهرباء . وفي يوم الاثنين الماضي دخلت الحكومة الفلسطينية إلي غزة وسط ترحيب هائل من أهلها ووسط تصريحات حاسمة من حماس لخصها السنوار في جملته: » سأكسر رقبة كل من يضع العراقيل أمام المصالحة أو أمام تمكين الحكومة من اداء مهامها ». في اليوم التالي دخلت غزة لأجد علي بوابة معبرها صورة كبيرة للرئيس عبد الفتاح السيسي وتصورت أنها وضعت من باب المجاملة ولكن ما رأيته في كل شبر في غزة أكد أنها ليست الصورة الوحيدة بل إن كثيرا من البيوت والمحلات رفعتها كما أمسكت مجموعات متفرقة في الأحياء المختلفة بالأعلام المصرية وأمام مقر الحكومة تجمع المئات من الشباب يصورون بكاميرات تليفوناتهم المحمولة لحظة وصول الوزير خالد فوزي مدير المخابرات العامة إلي المكان الذي كان فيما قبل بيت أبومازن مع مكبرات صوت تذيع الأغاني الوطنية المصرية . تبادل خالد فوزي ورامي الحمد الله الأحضان وجلسا علي رأس مائدة بحضور مجلس الوزراء في مشهد لم يحدث من قبل وتجاوزت كلمة الترحيب التي ألقاها رئيس الحكومة الفلسطينية كل حدود التوقع ومن جانبه حمل خالد فوزي رسالة من الرئيس عبد الفتاح السيسي كنت أعرف بها ولكن المفاجأة أنها كانت رسالة مصورة من الرئيس مما زاد من تأثيرها ونقلت وقائع الجلسة علي الهواء مباشرة مما ضاعف من تواجد شعب غزة في الشوارع عند وداع الوفد المصري . وغادر مدير المخابرات مقر رئاسة الحكومة إلي مقر حركة حماس والتقي بكل أعضائها وعلي رأسهم إسماعيل هنية الذي أكد أن قطار المصالحة سيمضي إلي الأمام ولن يعود إلي الوراء بعد قوله : » إن العلاقة مع مصر علاقة استراتيجية لن نمسها» . وفي كلمته القصيرة أمام قيادات حماس أشار خالد فوزي إلي وجود فصائل إرهابية وسط التنظيمات الفلسطينية لابد أن تراجع نفسها . بل يمكن أن أضيف علي لسان هنية أن هناك نسبة 5 % من حماس اعترضت علي المصالحة لكن قرار المكتب السياسي سيكون ملزما لهم . وبعد عشر سنوات من الحرب الباردة بين فتح وحماس لن يكون من السهل علي أرض الواقع تنفيذ المصالحة .. ويدرك الطرفان ذلك جيدا .. وهوما جعل أبومازن يقول لي : » إنه سيقدم من جانبه كل أسباب النجاح » .. ودعم كلامه أبوجهاد قائلا : » أعطينا تعليمات لكل قيادات فتح بتوفير كل أسباب النجاح للمصالحة وإزالة عشرات الألغام التي ستزرع في طريقها فنحن الذين ندرك مدي الضرر الذي اصاب قضيتنا بسبب الانقسام الذي كان » . ومن جانبه قال لي إسماعيل هنية : » لن توقفنا العقبات وسنتجاوزها وسنوقف أصحاب المصلحة في تخريب المصالحة عند حدهم » . وبالتأكيد ستواصل مصر جهودها للحفاظ علي المعجزة السياسية التي تحققت . في يوم الاثنين القادم ستضيف القاهرة لقاء بين قيادات فتح وقيادات حماس لمناقشة كافة الملفات المعلقة والتي تهدد بنسف المصالحة مثل ملف الأمن في غزة كيف تنتقل السيطرة عليه من حماس إلي السلطة ؟ .. ومثل ملف المعابر في غزة كيف سيجري التعامل معها ؟ .. ومثل ملف السلاح في غزة ومن له الحق في حمله ؟ . قال لي أبومازن : إننا سلطة واحدة وسياسة واحدة وقانون واحد وسلاح واحد وأمن واحد . ومن جانبه لا ينكر إسماعيل هنية ذلك كله وإن أضاف : إن حماس نجحت في تحقيق وضع أمني مستقر في غزة شعر به الناس بعد أن كانت فوضي التنظيمات تعم القطاع ولابد من بعض الوقت لكي تعاد الترتيبات الأمنية دون عودة لفوضي الماضي . والحقيقة أن كل هذه الخلافات يمكن حسمها لو رجع الطرفان لاتفاقية القاهرة التي وقعاها في عام 2011 وتقع الاتفاقية في 25 صفحة وتعالج مشاكل المعابر والمعتقلين والانتخابات كما تحدد معايير إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية ومهام كل جهاز منها بجانب تحريم الاعتقال السياسي . واللافت للنظر أن الذي وقع علي اتفاقية القاهرة عن حركة حماس هو موسي أبومرزوق الذي لم تكن تصريحاته الأخيرة إيجابية تجاه المصالحة . ولصعوبة الملفات المعلقة أتصور أن إجتماعا واحداً لن يكفي وأغلب الظن أنه سيعقد أكثر من اجتماع حتي تنتهي الخلافات وساعتها سيعقد اجتماع موسع في القاهرة تلتقي فيه كافة الفصائل والتنظيمات الفلسطينية لتأييد المصالحة . وتؤمن قيادات فتح وحماس بأن هناك شخصيات فلسطينية لها مصلحة في تخريب المصالحة تقف في نفس الخندق مع دول عربية بعينها . وحسب اتفاقية القاهرة فإن الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني الفلسطيني ستجري متزامنة في يوم واحد علي أن يلتزم الجميع بذلك . وأغلب الظن أن أبومازن سيرشح نفسه في الانتخابات الرئاسية لكنه أكد أنه سيسلم السلطة لمن يفوز فيها ولوكان من حماس . لكن إسماعيل هنية لا يستبق الأيام ويقول : » لكل حادث حديث» وإن أضاف : إن حماس سوف تدرس أفضل الخيارات لها .. هل سترشح للرئاسة واحدا منها أم ستدعم شخصية وطنية أخري يمكن أن تحظي بقبول الجميع؟ . ولا شك أن المصالحة الفلسطينية تعيد » اللحمة » الوطنية إلي ما كانت عليه وهوما يلغي حجة إسرائيل في العودة للتفاوض فقد كانت تري أن أبومازن في ابتعاد حماس عن سلطته لا يمثل كل الفلسطينيين حتي يتكلم باسمهم . أما حماس فتري أن السياسة الفلسطينية القادمة بعد الانتخابات سيرسمها ويضعها المجلس الوطني وفي الوقت نفسه تري حماس أن الحكومة اليمينية في إسرائيل برئاسة بنيامين نتانياهو ستضع عراقيل جديدة أمام المفاوضات لوعاد الفلسطينيون إلي مائدتها . وعلي خلاف موقف حماس من المفاوضات يقول أبومازن : » الكل تفاوض مع إسرائيل » بل إنه روي لي أنه في آخر لقاء مع محمد مرسي في منتصف مايو2013 عرض عليه مرسي أن يقوم الإخوان بدور الوساطة سرا أوعلنا بين إسرائيل وأمريكا والفلسطينيين . ويرفض أبومازن أن تلعب حركة حماس نفس الدور الذي يلعبه حزب الله في لبنان .. قوة مسلحة تؤثر في السياسة ولوبالريموت كنترول .. لكن .. السنوار يرفض ذلك مؤكدا أن الوضع الطائفي الذي أوجد لحزب الله نفوذا مؤثرا في لبنان ليس له مثيل في فلسطين . إن مصر لم تغير موقفها من حماس إلا بعد أن غيرت حماس موقفها من مصر .. لم تقبل مصر بحماس إلا بعد أن أخذت من الإجراءات وقدمت من تعهدات ما يمكن وصفه باعتذار واضح وصريح للشعب المصري