تعيش اسرائيل حالة من القلق الشديد منذ بداية الحراك الشعبي والجماهيري في العديد من الدول العربية للمطالبة بالاصلاح والديمقراطية خاصة مع نجاح الثورة المصرية واتفاق جميع الآراء علي ان مصر في طريقها لاستعادة مواقع ريادتها الطبيعية علي الساحتين الاقليمية والدولية. اسباب هذا القلق واضحة وفي مقدمتها ادراك اسرائيل ان انظمة الحكم المستبدة لا يمكن ان تتصدي لاطماعها التوسعية لان اهتمامها الرئيسي يتركز علي قمع شعوبها والبقاء في السلطة بأي ثمن حتي ولو كان هو خيانة القضايا الوطنية والقومية. واستطاعت اسرائيل من خلال هذه الانظمة ان تحقق من المكاسب ما لم يكن يحلم به أعتي المتطرفين في الحركة الصهيونية. واصبح أقصي ما تتمناه اسرائيل ان تستمر هذه الأوضاع في المنطقة العربية لأطول فترة ممكنة حتي يمكن تنفيذ المخطط الصهيوني في الشرق الاوسط بكل تفاصيله وحتي النهاية. وفي اطار هذا المفهوم، تعتقد اسرائيل ان اي محاولة للتغيير والاصلاح في العالم العربي، حتي ولو كانت في الاتجاه الصحيح، تشكل تهديدا لهذا " الاستقرار " الذي يخدم مصالحها وتنذر بعواقب وخيمة في المنطقة والعالم بأسره. هذه الرؤية تتناقض تماما مع المفاهيم السائدة في كل مكان والتي تعتبر الديمقراطية اهم اسس الاستقرار الحقيقي الذي يختلف كثيرا عن الجمود الذي تحافظ عليه وتحميه الانظمة الديكتاتورية.. والغريب ان اسرائيل، التي تزعم أنها دولة ديمقراطية، تتخذ موقف العداء من اي محاولة جماهيرية للاصلاح والتحرر من القهر في اي بلد عربي وتفضل ان تعيش الدول العربية الي الابد تحت حكم الفرد والانظمة المستبدة. والسبب في هذا التناقض الاسرائيلي شديد الوضوح حيث استثمرت اسرائيل هذا الوضع منذ قيامها عام 1948 وظلت تخدع العالم بمقولة انها واحة الديمقراطية وسط صحراء من الطغيان والدكتاتورية في الشرق الاوسط. وجاءت انتفاضة الجماهير العربية المطالبة بالحرية والديمقراطية، والتي تنتقل الآن من بلد عربي لآخر، لكي تهدم هذه الأكذوبة الاسرائيلية وتؤكد ان " الأوتوقراطية " أو حكم الفرد المطلق ليس قدرا عربيا بقدر ما نتاج لمخططات اجنبية وسياسات محلية تهدف الي حرمان شعوب هذه الامة من حريتها وحقها في الحياة الديمقراطية.. ومع استمرار صحوة الجماهير المتطلعة للحرية من المحيط الي الخليج، تتزايد مخاوف اسرائيل من فقدان عرش الديمقراطية في منطقة الشرق الاوسط الذي انفردت به زورا وبهتانا لسنوات طوال والذي أتاح لها مساندة وتعاطف واعجاب مختلف دول العالم. هذا العرش يهتز بقوة الآن، ويوشك علي الانتقال الي دول عربية عديدة، في مقدمتها مصر، لتظهر اسرائيل في حجمها الطبيعي وفي صورتها الحقيقية كدولة فاشية عنصرية لا تستحق تلك الهالة الكاذبة التي تحيط بها نفسها كمجتمع ليبرالي ديمقراطي. وبمعني آخر، فأن التغييرات الراهنة في العالم العربي والشرق الاوسط من شأنها اعادة الامور الي أوضاعها الصحيحة وهي أوضاع سوف تحرم اسرائيل بكل تأكيد من مكانة استثنائية متميزة كانت تحتلها في غفلة من الزمان وسوف تفرض عليها اعادة حساباتها وتغيير سياساتها بالشكل الذي يتفق مع القانون الدولي والعدالة والشرعية وهي المعايير الوحيدة التي ستقبلها مرحلة الديمقراطية الجديدة في المنطقة العربية.