قيل في الإدارة الكثير مما عكس الخبرة تارة والصدمة تارة أخري.. فبعض ما قيل يستحق الاهتمام وبعضه يستدعي الضحك ومنه ما لا يستدعي الالتفات إليه. وقد قيل عن السياسة إنها تناظر المرأة وتعاكسها كما المرآة، فالسياسي إذا قال نعم فإنه يقصد ربما، وإذا قال ربما فإنه يقصد لا، وإذا قال لا فإنه ليس سياسيا، والمرأة إذا قالت.. لا.. فإنها تقصد ربما، وإذا قالت ربما فإنها تقصد نعم وإذا قالت نعم فإنها ليست بامرأة. علي من يود أن يعمل بالإدارة ألا يكون رأسه من صخر ولا من شمع إذ يقول كونفوشيوس إذا كان رأسك من شمع فلا تسر تحت الشمس، فالإدارة شمس عليك أن تتقي حرقها، فلا تجعلها لا تكتفي بتذويب شمعك. ولا تذهب إلي احتقار أحد فالمحتقر اليوم قد يكون رجل الساعة غداً - وقيل عن الإدارة إن النجومية عبء. وأن لغة الإدارة لا تحب النجوم، إن تعاملت معها فإن اختيار الظل بين الآونة والأخري، هو نوع من الحصانة، ثم سقف لكل شيء فلا ترفع سقف الأشياء من حولك، وحاول أن تطير مع التضاريس، لا تحلق بعيداً ولا تخبط بالمرتفعات. في لغة السياسة قاعدة تقول عليك أن تتعلم كيف تهزم! - لا أن تنكسر - وإن أصعب المواقف هي لحظة الرجل المسئول، التي عليه أن يكون ممتلكاً القدرة علي تحييد عواطفه. يمكنك أن تنتصر وهذا يحتاج إلي تخطيط وسيكون تعاملك مع النصر بالاحتفالات المفرطة، وعندئذ إذا تعرضت لنكسة ستكون بالمقارنة مع احتفالاتك بالانتصار هزيمة. أما حين تهزم، فإن عليك أن تتعلم لغة أكثر تعقيداً.. أولها أنه ليس ثمة من انتصار دائم، وعليه أن تهييء نفسك لاحتمالات الهزيمة أي أن تستعد لها، وترسم طريقة إخراجها.. وثانياً إن هزيمتك يجب ألا تكون نهايتك بل بمثابة تحضير لجولة ثانية، ذلك دينونة الحياة هو الصراع، وإنك إذا تعلمت أن تقع واقفاً فإنك تستطيع أن تعاود الكرة وتربح جولتك اللاحقة. عليك في هذه الحال أن تفصل بين الهزيمة وشخصك.. وأن تعتبر أن الهزيمة قد حدثت في مواجهة »فعل« لم تدرك أبعاده بشكل مطابق لحقيقة الأشياء - إن عليك إعادة حساباتك من جديد، وهنا تبدأ بالجولة الثانية من اللحظة التي تنتهي بها الجولة الأولي. والقاعدة المثلي التي تنجم عنها الأزمات ضرورة الاختيار بين السيئ والأسوأ!. أحياناً لا يفسح لك المجال أن تختار بين الجيد والحسن ولأن عليك أن تتعامل مع المتغيرات، فإن عليك أن تواجه أزمته لا تجد بداً إلا أن تختار بين السيئ والأسوأ. وعلي المسئول أن يتعلم كيف يخسر الجولة - لأن الحياة ليست دائماً انتصارات وإذا كان لابد من أن تخسر الجولة فلتكن بأقل الأضرار علي تجهيز نفسك للجولة الثانية هي خسارة مؤقتة تجنباً للانكسار لكي تلتقط أنفاسك للجولة التالية. وفي التاريخ ثمة تجارب - اجتاحت جيوش نابليون روسيا وقاربت موسكو.. وكانت المعارك سجالاً، ولم ينتصر فيها أحد.. فجأة قرر الجنرال الروسي تسليم موسكو محروقة فعارضه الجميع. فقد كان تسليم العاصمة القديمة لروسيا القيصرية دون هزيمة عسكرية مؤلماً، وتم الانسحاب من موسكو حماية للجيش تاركين العاصمة بعد أن أصبحت مدينة مهجورة حتي إن الغربان قرعوا لها الطبول كي تغادر. دخلها نابليون المنتصر ولم يستطع أن يطعم جيشه فيها لأشهر.. فقرر مغادرتها.. انتصر عسكرياً بسبب ميزان القوي الظاهر لمصلحته بينما هزمه ميزان القوي الكامن »الحكمة والمكر واستخدام القوي الصغيرة علي القوي الكبيرة« وبدأت ملاحقة فلول نابليون إلي أن انكسر فقد انهزمت موسكو في البداية وانكسر نابليون في النهاية. . عليك أن تميز بين السلوك الشخصي والسلوك العام، فتفصل بينهما بلا هوادة.. فإن فصل الإدارة وسياستها باعتبارها شأناً عاماً عن كل ما هو شخصي يهيئ لقيام علم سياسة الإدارة الموضوعي. . إن التمايز بين الشخصي والعام وبين الذاتي والجمعي هو معيار النجاح - نقول هذا لمن لم يتعلم سياسة الإدارة - هو غيض من فيض.