يعتبر ميلاد يسوع المسيح من أغني الأحداث في تاريخ البشر، وفيه نتقابل مع نوعيات عديدة ربما تمثل كل الخليقة، فمثلا مع الأفراد: يوسف، هيرودس، مريم، أليصابات، سمعان ومع الجماعات (الرعاة اليهود، المجوس الغرباء، الأطفال) ومع الحيوانات في المذود. وفي تقدمات الهيكل مع السمائيين: الملائكة، بشارة الملك. ومع المدن الصغيرة »بيت لحم» والكبيرة »أورشليم»، الدول »مصر» ومع الألقاب مثل النجار، الملك، العذراء، النبية، الشيخ، عمانوئيل. هو حدث غني جداً، ولكننا سنختار ثلاثة عناصر فقط أولاً: الاسم الجديد عمانوئيل.ثانيا: الكيان الجديد التجسد.ثالثا: العمق الجديد المحبة. الاسم الجديد: عمانوئيل وترجمته »الله يكون معنا» باعتباره المستقبل، وقد ورد في نبوة إشعياء قبل أن يصير واقعاً بحوالي سبعة قرون »ولكن يعطيكم السيد نفسه آية، ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل» ( إش 7 :14) كما ورد مرة اخري بمعناه في (إش 8 : 10) وتحقق علي أرض الواقع (مت 1 :23) مع ميلاد مسيحنا القدوس وهذا هو ما عبر ربنا يسوع المسيح في الصلاة الوداعية وهو علي بعد خطوات من الصليب حين قال: »أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني» (يو 17 :34) معني ذلك ان هذا اللقب لم يكتف بتحقيق ان يكون الله معنا فقط بل اشتهي ان يكون نحن ايضاً معه فالله صار معنا لهدف سامي ان نكون نحن ايضاً معه. وإذا عدنا إلي الوراء قليلا وقتما صارت البشارة إلي أمنا العذراء مريم، وهي في ناصرة الجليل حيث يفتتح الملاك جبرائيل بشارته بهذه الكلمات ».. سلام لك أيتها الممتلئة نعمة الرب معاك،( لو 4: 38). فكانت هذه التحية بمثابة إقرار حقيقة قامة الإيمان التي تحيا فيها أمنا العذراء مريم، حيث صارت مع الله، من كل القلب فصار الله معها في كل القلب. ومن هنا استمدت نقاوتها وقامتها الفائقة التي استحقت معها أن تكون بالحقيقة فخر جنسنا. ويمكننا أن نعتبر هذا الاسم الجديد هو افتتاحية العهد الجديد التي بها صار الله معنا، ومتحداً فينا وبنا ولنا، ويدوم هذا الوضع الجديد حيث نقرأ معا كلمات مسيحنا في الإنجيل المقدس للقديس متي الرسول: »ها أنا معكم كل الأيام إلي انقضاء الدهر. آمين»، فعمانوئيل في الإنسانية ومثلا في »الكنيسة» التي هي جسد المسيح بكل أسرارها وحياتها إلي انقضاء الدهر. ثانياً: الكيان الجديد - التجسد يقول معلمنا بولس الرسول »عظيم هو سر التقوي الله ظهر في الجسد» (1تي 3 :16) فتقوي الانسان هي السر الذي به نفهم حقيقة هذا الكيان الجديد فالتجسد ليس حدثا ماضيا وقع في الزمن وانتهي ولكن الله الذي ظهر في الجسد البشري ليتفقد الانسان المغترب بعد ذلك الزمن الطويل منذ السقطة الاولي ومعصية المخالفة التي سقط فيها رأسا البشرية ادم وحواء. ها هو يأتي بالميلاد البتولي المعجزي ويدخل طبيعتنا بالسلطان الالهي لانه غير خاضع للطبيعة بل هو سيدها. فالميلاد وظهور ابن ادم الله مولودا هو لتأكيد حقيقة انسانية وبشرية المسيح وفي نفس الوقت كان ميلاداً بتولياً فريداً من عذراءً لتأكيد حقيقة لاهوتية المسيح وكما يقول القديس اثناسيوس الرسول »الكلمة في كلمة قد اتحد بالانسان في كله». وفي هذا الكيان الجديد صارت هناك امكانية ان يأتي الله ويسكن قلب الانسان فعلاً وحقيقة وهذا هو امتياز وفخر المسيحية بل وانفرادها حيث يتلاقي الخالق والمخلوق في تواصل تم فيه تحقيق الوعد الالهي القديم (تك3: 15) في ملء الزمان بعد ان طال انتظار واشتياق الانسان نحو ذلك حتي كانت العذراء فخر جنسنا هي الهدية التي قدمها البشر لله لتكون معمل الاتحاد الالهي ونقطة الالتقاء بين السماء والارض – بين الله والانسان – بين العهد القديم والجديد. وها نحن نري طائفة الرعاة في براءتهم وبساطتهم بل ونقاوتهم يسعون نحو الاله المتأنس وليداً صغيراً في مذود صغير يصير هو بؤرة اهتمام كل الخليقة... السمائيون بالتسبيح والرعاة بالاعلان والمجوس بالهدايا والسماء بالنجم والارض بالحيوانات.. لقد صار معنا اي حل بيننا وصار فينا متحداً بالانسان المؤمن وصار لنا نعمة التبني فنكون ابناءه الاحباء وندعوه »ابانا» في كل حين. ثالثا العمق الجديد : المحبة فالله محبة وبمحبته أخرج الأرض من العدم إلي الوجود، ووهب الإنسان صورته ومثاله، ولكن الإنسان اختار الضعف، وأوجد نفسه خارج الفردوس طريداً بلا خلاص. ولكن الله لم يخلق ليدين ويهدم بل ليخلص ويخلد (يو 3 : 17) فكانت البداية هي تجسده لانه »هكذا احب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية» (يو 3: 16) فالله عندما خلقنا عرفنا انه يحبنا ولكن عندما تجسد عرفنا انه يحبنا جداً محبة لا تحد ولا توصف بل تتحدي افهامنا وادراكنا ومعارفنا.. فالميلاد أعطانا بعداً روحياً أو وصفاً روحياً فائق العمق لم يختبره الإنسان من قبل، لقد نلنا نعمة التبني، وصرنا بالحقيقة أبناء الله »وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه»يو 1: 12 فقد حل الابن الكلمة في وسطنا وصار بكراً بين اخوة كثيرين (رو8: 29). وهذا العمق الجديد نراه واضحاً في كل الذين اجتمعوا حول المذود، فمثلا في يوسف النجار الشيخ الوقور حامل استقامة العهد القديم، حارس سر التجسد، كذلك مريم العذراء المختارة دائمة البتولية حاملة صورة العهد الجديد وخادمة سر التجسد، كذلك نراه في إصرار المجوس الغرباء الباحثين عن الحقيقة والذين قدموا أتعابهم واجتهادهم وأوقاتهم قبل أن يقدموا هداياهم الثمينة من الذهب والمر واللبان. حتي الملائكة في تسبيحها تعطي المجد لله في الاعالي لانه تجسد وتعلن السلام علي الارض لانه صلب ثم تفرح كل الناس لانه قام. وهذا العمق الجديد بالميلاد هو بدء أفراح موكب الخلاص وانتهاء الخصومة بين الله والبشر وقد صارت المصالحة. المسيح الهنا يبارك هذا العالم ويعطيه السلام الحقيقي مع خالص محبتي لجميعكم.