منذ سقوط النظام الشيوعي السوفيتي في مستهل التسعينيات من القرن الماضي ، تغيرت ملامح الحياة في روسيا .. بدأ المواطنون الروس يعرفون معني الديمقراطية الحقيقية .. وأصبح من حقهم انتخاب قياداتهم من المجالس المحلية وحتي رئاسة الجمهورية .. تحولت البلاد الي اقتصاد السوق الحر . .واختفت الكثير من اوجه القهر والاستبداد باستثناء ملمح واحد مازال يستعصي علي روح التغيير التي اجتاحت كل جوانب الحياة الروسية ، وهو بالتحديد عداء السلطات المزمن للصحفيين خاصة من يعارضون سياساتهم ويكشفون تجاوزاتهم وسلبياتهم. وصل هذا العداء تحت الحكم الشيوعي الي درجة منع اي شكل من حرية التعبير واعتقال اصحاب الاصوات الحرة او نفيهم خارج الوطن حيث اطلقت عليهم وسائل الاعلام العالمية لقب " المنشقين " . واستمر هذا العداء بعد حوالي 20 عاما من سقوط النظام السوفيتي بدليل ما يتعرض له الصحفيون الاحرار في روسيا اليوم حيث شهدت العاصمة موسكو مظاهرة شارك فيها المئات من الصحفيين ونشطاء حقوق الانسان وانصار حرية التعبير الذين احتشدوا امام مقر عمدة المدينة للاحتجاج علي ما وصفوه بقمع وسائل الاعلام وقهر الصحفيين . واعتقلت الشرطة الروسية عددا من هؤلاء المحتجين السبت الماضي الذي وصف " بيوم الغضب " بعد ان رددوا الشعارات ضد رئيس الوزراء فلاديمير بوتين وحملوه مسئولية الاغتيالات والاعتداءات التي تعرض لها الصحفيون الشرفاء في روسيا بسبب مقالاتهم وآرائهم المناهضة للحكومة والمعادية للفساد والاستبداد . والحقيقة ان موقف بوتين من حرية الصحافة ، سواء وهو رئيس للدولة او بعد توليه رئاسة الحكومة ، تحيط به الشكوك والشبهات بل واصابع الاتهام ..ففي عام 2006 تم اغتيال الصحفية الروسية البارزة انا بوليتكو فسكايا بالرصاص وكان تعليق الرئيس بوتين في ذلك الحين علي هذه الجريمة مخزيا عندما وصف المجني عليها بانها " صحفية لا قيمة لها " ! وكأنه اهدر دمها واعطي المبرر لاغتيالها . وفي بداية الشهر الحالي ، تعرض اوليج كاشين وهو من اهم محرري صحيفة " كومرسانت " ، لاعتداء وحشي اسفر عن اصابته بجراح خطيرة ودخل في حالة غيبوبة بسبب انتقاداته لفساد مسئولي المحليات واعضاء لجنة الشباب في حزب روسيا المتحد الحاكم . وكانت هناك تهديدات مباشرة من مسئولي الحزب ل »كاشين« الذي كشف تورطهم في جرائم فساد وتم تنفيذ هذه التهديدات من خلال الاعتداء الوحشي علي كاشين وجاء رد فعل الرئيس الحالي ديمتري ميدفيدف علي هذه الجريمة الجديدة ضد الصحفيين مختلفا عما اعتاد عليه سلفه بوتين . فرغم اتهام الصحفيين للكرملين ورئيس الوزراء بوتين شخصيا بالتورط في الحادث إلا ان ميدفيديف بعث بباقة من الزهور للصحفي المعتدي عليه في المستشفي واعلن ان العدالة ستأخذ مجراها وسيعاقب المجرمون علي فعلتهم الشنعاء مهما كانت مناصبهم ومهما بلغت قوة نفوذهم . بهذا الموقف ، وضع الرئيس ميدفيديف نفسه في اختبار قوة صعب مع رموز الفساد واعداء الحرية في روسيا الذين يؤكد البعض ارتباطهم بالرئيس السابق ورئيس الحكومة الحالي بوتين . وفي هذا الاطار ، ينتظر الصحفيون الروس بل وانصار حرية التعبير في كل مكان نتيجة اختبار القوة هذا بين رئيس الدولة ميدفيديف ورئيس الحكومة بوتين والذي وبما تحدد نتيجته مستقبل حرية الصحافة في روسيا.