ربما لا تأتي رياح أسعار الذهب بما تشتهيه نفوس المحبين لامتلاك هذا المعدن النفيس لاستخدامه كأداة "للزينة"، حيث أصبحت تطيح بأحلام من يريد الاقتراب من اي فاترينة للشراء.. ولكن حسابات "الخزينة" في البنوك المركزية والبورصات العالمية تجد في سخونة الذهب الحصان الرابح وسط تذبذب أسعار العملات وعلي رأسها الدولار وعدم استقرار تداول الأوراق المالية حيث وصفوا عائدها منذ الأزمة المالية العالمية وحتي الآن بأنه "غير مشرف"...أما الذهب فيتابع قفزاته السعرية المغرية حيث تجاوز سعر الأوقية من 008 دولار إلي 5831 دولار خلال 4 أشهر فقط. ولم يعد غريبا أن تنصح الدراسات الصادرة عن المراكز الاقتصادية العالمية بالتوجه نحو الذهب، كملاذ آمن للاستثمار وتوقعوا استمرار الارتفاع لأجل بعيد ونفوا أن يكون ارتفاعا لحظيا معللين ذلك بأن تعافي الاسواق الأخري سيأخذ وقتا أكثر مما يخطط الجميع، بينما الذهب يظل سلعة لا تفني وقادرة علي تحقيق الأرباح. ما هي حقيقة ارتفاع أسعار الذهب ومستقبل هذه الارتفاعات وأين مصر من ذلك.. وما هو حجم الانتاج والاحتياطيات؟.. وهل انتاجنا يؤهلنا لأن نكون علي الخريطة العالمية للمنتجين؟ اجابات هذه الأسئلة وغيرها في سطور هذا التحقيق: قبل أن نعرف حجم انتاجنا وقيمة هذا الانتاج، تلخص في البداية د. يمن الحماقي استاذة الاقتصاد بجامعة عين شمس أسباب ارتفاع أسعار الذهب بهذا المعدل حيث قالت إن ذلك يعود بالأساس لانخفاض ثقة المستثمرين في بورصة الأوراق المالية خاصة في ظل تزايد العجز في الميزان التجاري للولايات المتحدة إلي جانب الانخفاض الذي يسجله سعر اليورو أيضا، وتأرجح نتائج خطط الانعاش التي تم اقرارها من جانب الدول الاقتصادية الكبري.. وأكدت أن تأثير هذه التقلبات إلي جانب التقلبات التي يشهدها سعر البترول دفعت ببعض الدول نحو تخزين كميات كبيرة من الذهب الخام، تحسبا لأي هزات جديدة تؤثر علي النمو الاقتصادي بخلاف ان الذهب يعد وعاء آمنا في ظل التوترات السياسية وبالتالي يعزز كل ذلك الطلب علي الذهب ويرفع من قيمته وينفي كونه ارتفاعا وهميا أو نتيجة مضاربات غير حقيقية. ارتفاع حقيقي ويقول رفيق عباسي رئيس شعبة الذهب باتحاد الصناعات: الاستثمار في الذهب ينمو بمعدل 25٪ وقيمة الذهب حاليا هي الأكبر علي الاطلاق حيث تسجل الأوقية 1380 دولار، وهو أعلي رقم في تاريخ سعر هذا المعدن ويتميز الذهب باحتفاظه بقوته الشرائية متفوقا علي جميع الأوعية الاستثمارية الأخري.. والعرض والطلب أحد العوامل المهمة التي تحدد أسعار الذهب في البورصة العالمية موضحا ان انتاج اي دولة من الذهب لا ينعكس علي المستهلك المحلي في شيء لأن زيادة الانتاج ليس معناة طرحه في السوق بأسعار أقل من السعر العالمي، ولكن زيادة الانتاج تضاف إلي رصيد الدولة من الاحتياطي النقدي. وأكد ان الاقبال عليه وقت الأزمات يعود ايضا إلي أنه أداة فاعلة لمواجهة التضخم نتيجة استقرار سعره واتجاهه نحو الصعود وتحقيق أرباح. الإنتاج المصري وإذا كان هذا هو واقع سوق الذهب في العالم، والذي تؤكد مؤشراته بأنه آخذ في النمو ، فما هي حقيقة الانتاج في مصر؟ في منجم السكري بمرسي علم يوجد مجمع متكامل لإنتاج الذهب لم يستغرق انشاؤه سنتين، وبدأ العمل بإنتاج أول سبيكة في 2009، ثم دخل مرحلة الانتاج التجاري المنتظم في 2010 بمعدل انتاج يصل في نهاية العام إلي 200 ألف أوقية، وقد تكون أرقام الانتاج ليست الأكبر مقارنة بدول تشتهر بإنتاج هذا المعدن ولكنها مجرد بداية.. هكذا بدأ المهندس سامح فهمي وزير البترول حديثه عن انتاج الذهب في مصر وقال: المجمع تم التخطيط لإقامته اعتمادا علي تقدير احتياطيات هذه المنطقة وهي واعدة جدا بدليل ان نسبة تواجد الذهب في الصخور مرتفعة، فالمعروف عالميا انها تتراوح من 1 إلي 3 جرامات في كل طن ولكن وصلنا في مصر إلي 3 وحتي 6 جرامات في كل طن صخور ومن المخطط ان يصل الانتاج إلي 500 ألف أوقية سنويا في 2012، وبالفعل نحتاج لزيادة الاستثمارات في هذا المكان ، ولكن الأهم هو المبادرة الأولي لتشجيع المستثمرين وقد زار موقع المصنع خلال الفترة الماضية حوالي 120 شركة عالمية في هذا المجال. وأضاف سامح فهمي: ومن جانبي أوجه دعوة مفتوحة للمستثمر المصري لكي يري بنفسه حجم الانتاج والعمل الذي يسير وفقا لأعلي تكنولوجيا تستخدم في هذه الصناعة وان هناك فرصا جيدة لأن يصبح شريكا فيها. مكسب مضمون وعن عائدات الانتاج يقول وزير البترول: الاتفاقية تحدد الحصول علي الارباح بعد ثلاث سنوات من عمر المشروع أي في 2013، وما نحصله حاليا هي 3٪ علي الانتاج ولكن نخطط لمراجعة الاتفاقية لتعديل بند الأرباح خاصة وان المستثمر في كل الحالات سوف يحصل علي حصته ونفقات الاستثمار وأضاف ان ال 3٪ تذهب إلي خزانة الدولة بعد بيع الذهب في البورصة العالمية موضحا انه لا يمكن تسويقه لدي البنوك المصرية في الوقت الحالي بإعتبار ان السياسة النقدية في مصر تعتمد علي سلة العملات كإحتياطي نقدي وليس الذهب كما هو معمول في دول أخري وهذه مسألة يجري التخطيط لدراستها أيضا... وأشار إلي أنه بعيدا عن الأرباح فهي ستتحقق آجلا أو عاجلا علما بأننا في النهاية أقمنا المشروع علي أرضنا بدون تحمل نفقات الاستثمار. توزيع التنمية وقال أن هناك قيمة أخري مضافة وهي بناء أول مجمع للتعدين في مصر وبإمكانيات متقدمة وتدريب العمالة المصرية علي نوعية مختلفة من العمل واستيعاب عدد ضخم من العمال ، كما أن فكرة تواجد العمالة خاصة أبناء الصعيد في حد ذاتها في هذا المكان هي تطبيق حي لعدالة توزيع مقومات التنمية وعدم تمركزها في العاصمة. وعن مستقبل صناعة الذهب في مصر يقول الوزير: بحسابات الورقة والقلم المشروع يستوعب 20 مليار دولار استثمارات جديدة وبتوقعات الخبراء ان يصل سعر اوقية الذهب إلي 2500دولار فقد تصل قيمته إلي 50 مليار دولار وفقا لمعدلات الانتاج التي نخطط لها وهي 25 مليون أوقية ويوجد لدينا 120 منجما ، نأمل في المضي قدما نحو استغلال ولو 10٪ منها، فوقتها نكون قد حققنا نقلة اقتصادية كبيرة. جميع العمال في مصنع انتاج الذهب بالسكري يتطلعون إلي زيارة الرئيس حسني مبارك للمكان، حيث يأملون في دفعة قوية لمواصلة العمل في هذه الصناعة الجديدة علينا ولكي يري الرئيس كيف يحول العامل المصري الصخور إلي ذهب، وكيف استطاع ان يجعل منطقة جافة في أطراف مصر واديا صناعيا ينتج ذهبا؟.. ولكن ما هي مراحل استخلاص الذهب من الأرض . مراحل العمل كما جاءت علي لسان العاملين بالمنجم، تبدأ بتحديد الصخور الحاوية للذهب، وهو الأمر الذي يتم عن طريق خرائط جيولوجية ثلاثية الأبعاد.. وأخذ عينة من الصخور للتأكد من تواجد خام الذهب الذي كشفت عنه الخرائط ويعتبر معمل تحليل العينات هو الأحدث في الشرق الأوسط ويخضع لنظام فني دقيق ، وتوجد مناجم سطحية ومناجم تحت ويتم فيها الحفر علي عمق 700 قدم في باطن الأرض... ثم يتم نقل الصخور العملاقة عن طريق ناقل كهربائي ليتم تكسيرها ثم طحنها وبعد ذلك تنقل في صورة شبه صلبة إلي خزانات الاستخلاص وهي خزانات ضخمة تضم سوائل كيميائية قادرة علي تعويم الذهب وفصله عن اي صخور او معادن اخري مصاحبة. وعندما يصبح الذهب في هذه المرحلة السائلة يدخل مرحلة السبك وتتم داخل غرفة يطلق عليها غرفة الذهب وهي ليست مفتوحة للجميع ولا يشهد هذه المرحلة سوي عامل او اثنين علي الاكثر ممن يقومون بعملية الصب وتقع الغرفة تحت نظام أمني صارم ويوجد بها حوالي 40 كاميرا مراقبة تقوم بالتصوير الحي للغرفة طوال 24 ساعة كما أنها تخضع للمراقبة الأمنية طوال اليوم نظرا لأهميتها إلي جانب ان كل من يدخلها أو يخرج منها يخضع لأجهزة اليكترونية للكشف عن المعادن بالإضافة إلي التفتيش الذاتي ، ومرحلة السبك التي تتم في غرفة الذهب تكون بحضور هيئة الموازين والدمغة وهيئة الثروة المعدنية ويتم اعداد ثلاث سبائك اسبوعيا الواحدة تزن 25 كيلوجراماً ذهب صاف.