33 عاما تمر غداً علي اغتيال واحد من أبرز الرموز الثورية في امريكا اللاتينية هو الأب أوسكار أرنولفو روميرو أسقف سان سلفادور الذي اغتالته فرق الموت الفاشية عام 1980. كان روميرو المولود في أغسطس 1917 قساً كاثوليكياً بارزاً في السلفادور خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي واصبح مطران العاصمة سان سلفادور في 1977. وبعد أن عايش القهر والانتهاكات البشعة لحقوق الانسان في بلاده، قرر ان يهب حياته لقضايا الفقراء والمضطهدين ودخل في صراعات ضد الحكومة الاستبدادية وأيضاً الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تري ان مهمتها تنحصر في القضايا الدينية واعتبرت روميرو مخرباً فوضوياً، خاصة بعد ان هاجم الدعم العسكري الامريكي لحكومة السلفادور الفاشية ودعا جنود الجيش والشرطة الي عصيان أوامر القمع وانتهاك حقوق الانسان. وخلال فترة قصيرة، أصبح روميرو هو صوت الفقراء والمحرومين وتصدي للفساد والظلم. كما كان من أشرس معارضي الاحتكارات الامريكية وسيطرة الولاياتالمتحدة علي حكام بلاده الذين ينفذون تعليمات واشنطن ولا يعنيهم سوي رضائها. وتحولت خطب ومواعظ الأسقف روميرو في الكنيسة الي بيانات ثورية ملتهبة التف حولها الفقراء والمعدمون الذين اعتبروه مناضلاً أكثر منه رجل دين واحتشدوا حول دعوته لاصلاح الحياة وليس فقط التبشير بنعيم الآخرة. كانت رؤية روميرو أن مهمة الدين.. أي دين هي خدمة الناس وتطوير حياتهم الي الافضل، لذلك عندما تبرع أثرياء امريكا و أوروبا بملايين الدولارات لبناء كاتدرائية ضخمة في سان سلفادور، لم يتردد روميرو في انفاق هذه الاموال علي اطعام الفلاحين الفقراء وبناء مستشفيات ومساكن لايوائهم. وأكد أن مكافحة البؤس والظلم والفقر أهم من بناء دور العبادة. ودعا الأب روميرو الرئيس الامريكي الأسبق جيمي كارتر الي وقف المساعدات العسكرية للنظام الديكتاتوري في السلفادور وتحويلها الي مساعدات انسانية قائلاً "لقد سئمنا الأسلحة والرصاص". كسب روميرو من خلال حملته لدعم حقوق الانسان في السلفادور احترام العالم كله وتم ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام واعتبره الكثيرون قديساً للحرية والعدالة الاجتماعية والسلام. في ذلك الحين، اندلعت الثورة الاسلامية الايرانية بزعامة آية الله خوميني الذي رفع شعار التصدي للهيمنة الامريكية واعتبر الولاياتالمتحدة الشيطان الأكبر في العالم. وجاءت مواقف أسقف سان سلفادور المناهضة للسياسات الامريكية لكي تسبب لواشنطن صداعاً آخر ولكن ليس في منطقة بعيدة مثل الشرق الاوسط بل في امريكا اللاتينية التي توصف بالفناء الخلفي للولايات المتحدة. لذلك، لم يكن من الغريب أن تطلق الصحف الامريكية لقب "آية الله روميرو" علي أسقف سان سلفادور تشبيهاً له بالخوميني، رغم اختلاف ديانتيهما بسبب اتفاقهما في مكافحة الهيمنة والظلم والاستعباد. وتصاعدت الانتقادات ضد الاب روميرو من امريكا والنظام المستبد في السلفادور وحتي زعماء الكنيسة الكاثوليكية والفاتيكان الذين اتهموه بتجاوز دوره كرجل دين وتبني أفكار ومواقف يسارية. ووصلت الامور الي حد التخطيط لقتله، وكان رد روميرو علي التهديدات باغتياله هو قوله "اذا كان دمي يمكن ان يساهم في حل مشكلات الفقراء والمقهورين في بلادي فمرحباً بالشهادة.. انني كمسيحي أؤمن بالبعث واذا قتلوني فسوف أبعث من جديد في الشعب السلفادوري الذي لن يستسلم حتي يحصل علي كل حقوقه في الحرية والحياة ". وفي يوم 24 مارس 1980 كان الأسقف روميرو يقيم قداس الاحد في كنيسة صغيرة أنشأها داخل مستشفي لعلاج الفلاحين الفقراء من السرطان بالمجان، اقترب مسلحان من باب الكنيسة و أطلقا الرصاص عليه واخترقت جسده عشرات الطلقات ليسقط علي المذبح مضرجاً في الدماء. اجتاحت أنباء الجريمة البشعة كل المدن والقري، ليس في السلفادور وحدها ولكن في كافة أنحاء امريكا اللاتينية، قارة الجوع والثورة وانهمرت دموع الفقراء والمقهورين علي الرجل الذي عاش ومات من أجلهم.. وتحول دون روميرو، أو السيد روميرو، الي أيقونة لاتينية أخري مثل سيمون بوليفار وتشي جيفارا ولحق بهم هذا العام الزعيم الفنزويلي هوجو شافيز.. واستمرت الثورة التي دفع الأسقف حياته من أجلها حتي تحررت شعوب امريكا اللاتينية وأطاحت بعروش الدكتاتورية والاستبداد.. سقط كل الطغاة وعاش آية الله روميرو..