للوهلة الأولي تصورت إصابة وزير الاستثمار بنوع من الحرج عندما استمع إلي سؤال يقول: ماذا تقول لرجال الأعمال الأجانب لإغرائهم وجذبهم للاستثمار في مصر وسط الحالة الضبابية والأوضاع غير المستقرة التي تمر بها الآن ومنذ فترة؟! استمع أسامة صالح إلي السؤال ولم تظهر عليه أي من مظاهر الغضب أو الإحراج وخرجت كلماته سريعة وواضحة: .. أقول لهم ما قاله الإمبراطور الفرنسي الراحل نابليون بونابرت عندما سُئل عن مصر فقال حكمته الشهيرة: »هناك مصر واحدة علي الكرة الأرضية«. بالتأكيد كان وزير الاستثمار يقصد أن مصر سوف تظل مصر مهما واجهت من مطبات أو مشاكل أو أزمات.. وقالها الوزير باختصار شديد: »مصر لن تقع«. بالتأكيد لم يحاول الوزير إخفاء أعراض المرض، بل شرح الأوضاع، مشيرا إلي أننا »لا نضحك علي بعض« فنحن في مرحلة انتقالية سوف تأخذ مجراها حتي تستقر الأمور، هذه المرحلة مرت بها دول أخري خلاف مصر مثل ليبيا وتونس واليمن. وأضاف أنه التقي بمسئولين في تلك الدول وتعرَّف علي الأوضاع بها، مؤكدا أن ما تمر به مصر أفضل بكثير من أوضاع دول أخري، فقد تمت انتخابات رئيس الجمهورية وهناك مجلس شوري وانتخابات مجلس النواب قريبا، وهناك دستور يتم حاليا حوار بشأن نقاط الخلاف في مواده لتعديلها بشكل حضاري.. وهنا أكد أنه شخصيا لديه تحفظات علي بعض مواد الدستور!. كلام مهم قاله وزير الاستثمار خلال لقاءات مؤتمر استثماري كبير نظمته المجموعة المالية »هيرميس« في إمارة دبيبالإمارات العربية المتحدة بمشاركة 250 مستثمرا يمثلون 131 شركة من 25 دولة من أنحاء العالم.. هؤلاء جلسوا وجها لوجه مع مسئولي 59 شركة كبري من الشركات التي تتداول أسهمها في بورصات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويبلغ رأسمالها السوقي 512 مليار دولار. شركات كبري ورجال أعمال كبار من مصر ذهبوا إلي دبي ومعهم أسامة صالح وزير الاستثمار، والهدف هو تبادل الرأي حول المشهد الاستثماري الحالي بين أصحاب القرار بأسواق المال في المنطقة وبين ممثلي الإدارات التنفيذية بكبري الشركات والمؤسسات المالية، وكان معهم القاضي محمد أبا زيد، مستشار وزير الاستثمار وماهر الشريف، الوزير المفوض التجاري رئيس المكتب التجاري المصري بالإمارات. ومن هيرميس كان هناك فريق ضخم ضم كبار المسئولين بالمجموعة المالية: كريم عوض الرئيس التنفيذي لبنك استثمار المجموعة ومحمد عبيد رئيس قطاع تداول الأوراق المالية ووائل زيادة رئيس قطاع البحوث وسيف فكري الرئيس التنفيذي لهيرميس بالإمارات وأحمد والي رئيس قطاع الوساطة بسوق الأوراق المالية الكويتي وأحمد الجندي مدير قطاع الخدمات المصرفية الاستثمارية ونبيل موسي رئيس إدارة الأصول بالمجموعة بجانب »كتيبة« من المسئولين عن التسويق والإعلام بذلت جهودا خارقة في ترتيب اللقاءات بين هذا الكم الكبير من المستثمرين بعضهم البعض. وكانت هناك كبري الشركات المصرية مثل جهينة للصناعات الغذائية ورئيسها المهندس صفوان ثابت ومديرها التنفيذي سيف الدين ثابت، وكذا مجموعة القلعة والسويدي وأوراسكوم والسويس للأسمنت وعامر جروب والمصرية للمنتجعات و6 أكتوبر للتنمية والاستثمار والنساجون الشرقيون وعرفة القابضة، وغيرها من الشركات المتخصصة في التنمية العقارية والمنتجعات مثل شركة »دي إم جي« ورئيسها عضو مجلس إدارتها أيمن إسماعيل.. بالإضافة لشركات عربية كبري.. كلها شركات وبنوك ومؤسسات تبحث عن مخرج لما تمر به المنطقة من أزمات وضباب وعدم يقين. وعلي وجه الدقة، ينتظر المستثمرون المصريون والعرب والأجانب عودة الاستقرار السياسي لمصر وبالتحديد عقب انتخابات البرلمان، أي في يونيو المقبل، حيث تقول السياسة كلمتها الأخيرة لترسم صورة المشهد سياسيا واقتصاديا.. ولا أحد من المستثمرين يعتقد أن هناك قرارا حاسما سوف يتخذه أي منهم قبل ذلك الموعد!. ورغم هذا وذاك، فإن وزير الاستثمار المتفائل دائما يواصل مهمة تمهيد الساحة الاستثمارية، استعدادا لبدء تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي بالتنسيق مع المجموعة الوزارية الاقتصادية، في ضوء قرب وصول بعثة صندوق النقد الدولي لمصر لإعادة التشاور حول القرض المقترح حصول مصر عليه ويبلغ 8.4 مليار دولار.. وفي ذات السياق، بدأ أسامة صالح يفتش في الدفاتر القديمة بحثا عما يدعم الموازنة ويوفر التمويل اللازم لمشروعات تم تحديد ملامحها بالصعيد ومحور قناة السويس وغيرهما.. وهنا يشير الوزير إلي أنه تشاور مع سفير مصر بدولة الإمارات لإعادة مناقشة دعم مالي يبلغ 3 مليارات دولار لمصر، كانت الإمارات قد وعدت بتقديمه خلال الحكومات السابقة!.. وهذا المبلغ عبارة عن مليار دولار لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وجزء من الباقي يخصص كمنحة وآخر كوديعة وثالث كاستثمارات في مجال إسكان الشباب.. وقال الوزير إنه كانت هناك موافقة علي ذلك لكن لم يتم تفعيلها، في ضوء المتغيرات والتطورات التي مرت بها مصر خلال الفترة الماضية!. وبجانب ذلك يبذل الوزير جهودا حثيثة بشأن إنهاء جميع المشاكل التي تواجه بعض المستثمرين العرب، تمهيدا لإتمام ملف التصالح معهم.. وقد أشار أسامة صالح إلي أن كل مشاكل المستثمرين الإماراتيين تم حلها ولم يتبق سوي بعض »الرتوش« بشأن قضية لمستثمر واحد وسيتم توقيع العقود عقب الاتفاقات النهائية وبعد موافقة مجلس الدولة.. ومن المنتظر إتمام ذلك خلال شهر من الآن.. وأشار إلي تعديل لقانون ضمانات الاستثمار بشكل يتيح لوكيل المستثمر أو محاميه إتمام الإجراءات نيابة عنه، وهو ما يمنح قدرا كبيرا من الثقة وعدم الخوف من القبض عليه في حالة حضوره لمصر، حيث يمكن استكمال إجراءات التقاضي والتصالح ثم يعود بعدها المستثمر مطمئنا وفي قلبه »بطيخه صيفي«!. هذا وقد اصطحب أسامة صالح معه خلال زيارته للإمارات القاضي محمد أبا زيد، مستشاره القانوني وذلك من باب الاستعداد لأية مواجهات مع بعض المستثمرين المتحفزين! وهنا يشير الوزير إلي أنه خلال الفترة من 2 أغسطس الماضي إلي الآن، تم التصالح مع 35 مستثمرا من 61 دولة، يصل مجموع استثماراتهم إلي نحو 64 مليار جنيه كانت معطلة، وكان من المفروض أن توفر قرابة 031 ألف فرصة عمل!.. والمهم هنا كما قال هو الحصول علي حقوق الدولة وعدم الجور علي مصالح أي مستثمر.. وكله بالقانون، وفي إطار الشفافية، مع إبرام العقود الجديدة بشكل يضمن هذا وذاك من البداية، منعا لأي شبهات فساد!.. وهنا يؤكد أن ما يتم ليس نوعا من تصفية الحسابات مع بعض المستثمرين أو قضايا سياسية كما يثير البعض.. وقال الوزير إن هناك من حصل علي أراض بأسعار تثير كل أنواع الفساد، وأن النيابة هي التي كشفت ذلك.. هذا بالإضافة إلي أنه تم التحفظ علي أموال وممتلكات عدد من المستثمرين كإجراء احترازي، حتي تنتهي التحقيقات القضائية . وإذا كان وزير الاستثمار متفائلا جدا، فإن المهندس صفوان ثابت رئيس شركة جهينة للصناعات الغذائية يملك نفس القدر من التفاؤل، ولا يهوي أسلوب »لطم الخدود«، حيث يؤكد قدرة مصر علي تجاوز أزماتها، بل يذهب إلي القول بأنه حتي في أسوأ الفروض لو أصبح الاحتياطي النقدي »صفرا« فلن تقع مصر.. وقال إن دولة بحجم وتاريخ مصر لن تهزها أزمة، والمهم أن يتم طي صفحة الماضي وتتم المصالحة المجتمعية، بعيدا عن قضايا الدم، ولابد من احترام العقود والعودة إلي الشفافية والوضوح، لكي تبدأ مصر عهدا جديدا يتماشي مع قدرها ودورها بالمنطقة. وأضاف متذكرا أوضاع الاحتياطي النقدي عندما كان تحت الصفر وكان المستثمرون يجلبون الدولارات من البوابين وتجار العملة لتمويل صفقاتهم التجارية، حدث ذلك ولم تقع مصر.. المهم مرة أخري هو تشخيص الداء وتحديد الدواء بشكل حاسم وواضح وجاد.. وهنا يشير إلي الدعم الذي يستنزف أكثر من 521 مليار جنيه، وقال إن الأمر يحتم إجراء عملية جراحية، رغم أنها قد تكون صعبة. وفي هذا الصدد، يؤيد صفوان ثابت الدعم النقدي بديلا عن العيني.. وهو أيضا يتساءل: كيف يحصل راكب المرسيدس علي لتر البنزين بنفس السعر الذي يحصل عليه راكب التوك توك؟!.. وكيف نسمح بأن يحصل الدبلوماسي الأجنبي علي مثل هذه السلع بالأسعار المدعمة؟. ورغم تفاؤل صفوان ثابت فإنه ينظر للأمور بشكل واقعي، حيث يشير إلي أن أحدا لن يتخذ أي قرار قبل يونيو المقبل، والمهم استعادة الأمن والاستقرار السياسي.. ومرة أخري يتساءل: أليس الأمن والاستقرار هما ما جعلا مؤتمر »هيرميس« ينعقد في دبي وليس الأقصر كما كان مقررا له منذ شهور؟!. وأضاف: لقد حدث ما حدث، وإن شاء الله تجري الانتخابات ويتم تشكيل حكومة ائتلافية قوية تتخذ قرارات شجاعة تعيد الإصلاح إلي كل ما يحتاج للإصلاح. وبشكل واقعي أيضا جاءت أقوال محمد عبيد رئيس قطاع تداول الأوراق المالية بالمجموعة المالية »هيرميس«، لتؤكد أهمية استعادة الاستقرار السياسي في مصر.. وقال إن المشاركة القوية في المؤتمر الذي عقدته المجموعة بدبي، إنما تعكس ثقة مجتمع الاستثمار الدولي في تفوق مميزات الاستثمار بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، رغم ارتفاع نسبة المخاطر الناتجة عن تداعيات الفترة الانتقالية والأوضاع السياسية الراهنة في عدد من أسواق المنطقة. ومن قبله، جاء تأكيد كريم عوض، الرئيس التنفيذي لبنك استثمار المجموعة المالية »هيرميس«، علي أهمية مثل هذه المؤتمرات في تنشيط المناخ الاستثماري، حيث يتم توفير منبر للشركات والمؤسسات الإقليمية التي تسعي إلي استعراض قصص نجاحها أمام أبرز اللاعبين في مجتمع الاستثمار الدولي، والذين يتطلعون إلي توظيف الفرص الواعدة بأسواق المال بالمنطقة. وهو نفس الأمر الذي أشار إليه وائل زيادة رئيس قطاع البحوث بالمجموعة المالية »هيرميس«، حيث قال إن الاضطرابات السياسية الراهنة في بعض أسواق المنطقة، لا تقلل من المزايا التنافسية بهذه الأسواق وأبرزها وفرة الموارد الطبيعية ووجود قاعدة استهلاكية ضخمة مع تنوع اقتصادي كبير.. ولكن كما قال فإن المهم هو الثقة المتبادلة بين مختلف أطراف اللعبة.. والأهم هو اتخاذ قرارات اقتصادية واقعية وشجاعة، وفيما عدا ذلك يزيد الوضع صعوبة.. لا قدر الله. وأشار وائل زيادة إلي أن هناك اقتناعا كبيرا من المستثمرين بأن العائد المتوقع للاستثمار سيكون جيدا في الفترة المقبلة، ولكن مع الاستقرار السياسي، وقال إن هذا العائد يتراوح بين 03 و04٪ وهو انطباع عام لدي رجال الأعمال.. وأشار مؤكداً علي أن نتائج مثل هذه اللقاءات بين المستثمرين تأتي في مراحل لاحقه وأضاف أن رؤية المستثمرين بدأت تتجه إلي إعادة تشكيل سياساتهم في إطار الأسعار الجديدة للجنيه مقابل الدولار، وهو ما يزيد من الاستثمار بمصر، لكن ذلك يرتبط في الأساس بالاستقرار ووجود خطة واضحة للتنمية الاقتصادية. المهم والأهم هو استعادة الاستقرار والثقة وفتح الملفات الاقتصادية المغلقة لأسباب سياسية!.