أدهشتني إستغاثة المهندس أحمد إمام وزير الكهرباء والطاقة بالمواطنين لحماية محطات الكهرباء في مختلف أنحاء مصر والدفاع عن منشآتها التي تتعرض لاعتداءات خطيرة من جانب بعض الأشخاص الذين يحاولون استغلال حالة عدم الاستقرار التي تمر بها البلد الآن لتحقيق منافع خاصة مثل طلب التعيين في شركات الكهرباء العاجزة عن استيعاب أي عمالة جديدة خاصة وأنهم يفتقدون المؤهلات اللازمة للعمل في هذا القطاع. ووصلت الأمور إلي درجة قيام هؤلاء الأشخاص بطرد العاملين والخبراء من مواقع العمل وغلق بوابات المشروعات بالجنازير وهو ما يعرقل خطط الوزارة لمواجهة زيادة الأحمال المتوقعة في الصيف القادم والحيلولة دون أن تغرق البلاد في الظلام بالشكل الذي يهدد الأمن القومي المصري. استغاثة وزير الكهرباء بالمواطنين ، تعكس إعترافاً رسمياً صريحاً بعجز الحكومة عن اداء مهامها الاساسية في إدارة أمور البلاد وتنفيذ القانون في إطار مفهوم الدولة الذي لا يعني مجرد وجود سلطة وإنما قدرة هذه السلطة علي حماية مجموعة العلاقات والقيم الاجتماعية والدفاع عن الحق العام. ورغم ان تعاون المواطنين مع الأجهزة الحكومية مطلوب، إلا أن تخلي الدولة أو النظام عن جوهر مسئولياته وإلقاءها بالكامل علي عاتق الشعب لا يعني سوي الفوضي أوتكرار النموذج الهزلي الذي سخر منه العالم خلال مرحلة الجماهيرية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمي!! و هناك عدة تفسيرات لهذا الموقف السلبي المتخاذل الذي تلتزم به الحكومة في مواجهة كل التجاوزات ومظاهر الفوضي التي تعاني منها الجماهير . الأول: هو الخوف من اتخاذ مواقف حاسمة لفرض القانون يمكن ان تستغلها المعارضة لاشعال الغضب ضد الحكومة وبالتالي يصبح التصدي للفوضي سلاحاً في يد أعداء النظام حتي وإن لم يتورطوا فيها بشكل مباشر. التفسير الثاني: أن تكون هذه السلبية رسالة نفاق من الحكومة للرأي العام في اطار الصراع المشتعل بين النظام والمعارضة لاستقطاب الشارع. وهناك ايضاً إحتمال أن تكون هذه السلبية الحكومية في مواجهة مظاهر الفوضي، بدءاً من المرور وقطع الطرق وتعطيل مصالح المواطنين وحتي الاعتداء علي المنشآت العامة والمؤسسات والسيادية، ثمرة اتفاق ضمني وغيرمباشر بين القوي السياسية المختلفة علي اساس أن هذه الفوضي تتيح لكل طرف أن يفعل ما يشاء بينما ينشغل المواطن العادي بمحاولة الحياة وتدبير احتياجاته المعيشية وسط هذا المناخ المضطرب. وبمعني آخر، تصبح المعارضة مطمئنة الي أن الشعب لن يكون لديه من الوقت ما يسمح له باكتشاف عجزها عن توحيد صفوفها أو تقديم البديل المنطقي والعملي للنظام الذي تؤكد فشله وتتهمه ليل نهار بأنه مجرد استنساخ لدكتاتورية مبارك التي ثار الشعب ضدها في 25 يناير. فقد فاجأت هذه الثورة الشعبية نظام الحزب الوطني المستبد ولكنها في نفس الوقت، فاجأت أيضاً قوي المعارضة ورموزها وهي بملابس النوم، حيث لم تكن تتخيل أن المصريين يمكن أن يفعلوها بهذه البساطة، وبالتالي لم تستعد جيداً للدخول الفوري الي ساحة المعترك السياسي الديمقراطي بكل ما تتطلبه من جدية والتزام. أما النظام الجديد، الذي تولي السلطة بعد الإطاحة بمبارك، فقد اكتشف أن المهمة ليست سهلة وأن تقديم التنازلات في السياسة لايكون من مقاعد المعارضة فقط بل أيضاً من موقع السلطة التي توصف بأنها"مثل خشبة الميت لايمكن ان يحملها شخص واحد"! ومع فشل المعارضة في التعبير عن طموحات الجماهير ورفض السلطة تقديم تنازلات حقيقية، وصلت الأمور الي الجمود الحالي بين الحكومة والمعارضة وربما المواطنين أيضاً والذي اعتبره الجميع أفضل من القفز إلي المجهول. هكذا، بدا أن جميع الأطراف قد رضيت بما يتيحه لها الوضع الحالي ورفعت شعاراً يقول"نحن نريد والشعب يريد... والله يفعل مايريد".