من الآخر قالها خبير إدارة دولي: »مفتاح الأزمات المالية والاقتصادية.. يملكه السياسيون«. تلك الحقيقة جاءت علي لسان استشاري التطوير المالي والإداري د.إبراهيم بن صالح الدوسري خلال لقاء مهم عقدته الأكاديمية العربية للعلوم المصرفية والمالية.. وهو اللقاء الذي شهد حقائق أخري لا تقل أهمية بشأن الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تمر بها المنطقة العربية حاليا ومنذ بداية ثورات الربيع العربي. صحيح ان اللقاء كان منصبا حول قضية إدارية بحتة تتعلق بتحديد الاحتياجات التدريبية لتعظيم العائد من التدريب في المؤسسات، لكن ذلك لم يمنع المشاركين والخبراء من طرح العديد من وجهات نظرهم وأفكارهم وهمومهم!. ولعل ما قاله السفير محمد الربيع الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية يعبِّر عما يجيش في صدره من هموم عندما أشار إلي ما يعانيه الواقع العربي من عقبات تعترض الاستثمارات بين الدول العربية بعضها البعض، فقال إن أمريكا علي سبيل المثال تمنح المستثمر العربي تأشيرة دخول لأراضيها مدي الحياة، بعكس الدول العربية التي لم تصل إلي ذلك! ولسان حاله يقول إن منح التأشيرات لرجال الأعمال العرب يتم »بالقطارة« ووفقا لأمور سياسية بالدرجة الأولي!.. وتساءل السفير الربيع: كيف يمكن للاستثمار أن ينمو بالدول العربية في ظل تلك الأوضاع.. وكذا ما يرتبط بالتدريب الذي ينظر إليه البعض علي أنه فرصة للخروج من دائرة الملل، فما ينفق علي الاستثمار البشري بالمؤسسات العربية، لا يمكن أن يحقق الهدف. هذا بجانب إتمام برامج تدريب بشكل عشوائي، حيث تجد مثلا شخصا متخصصا في الآثار يتلقي تدريبا في مجال آخر بعيد تماما! وأكد الربيع الحاجة الماسة لإعادة هيكلة المؤسسات العربية وذلك في ضوء ما يمر به العالم العربي وخاصة عقب ثورات الربيع التي أوجدت حراكا سياسيا لا حدود له. وأضاف قائلا إنه رغم أهمية التدريب، فإن الملاحظ بالدول العربية، انتشار مراكز تدريب عشوائية كالسرطان، بعكس الحال في البرامج التي تنظمها الأكاديمية العربية للعلوم المصرفية والمالية. الواقع إذن لا يرضي أحدا علي حد تعبيره وللأسف الشديد فإن المؤسسات العربية لم تدرك بعد حجم الكارثة التي ستحل بالدول العربية، خاصة عندما تخلط السياسة بالاقتصاد.. وقال السفير محمد الربيع: دائما السياسة تهدم الاقتصاد!. قضية التدريب نالت أيضا الاهتمام الكبير من د. عصام زعبلاوي رئيس الأكاديمية العربية للعلوم المصرفية والمالية، مؤكدا إن الإنسان هو هدف التنمية ووسيلتها والمكون الأساسي في مختلف مستويات الهيكل التنظيمي للمؤسسات، فهو متخذ القرار وصانع الاستراتيجيات، وهو الذي يصنع السياسات ويتولي صياغة نظم العمل ويختار أسلوب تنظيم أعمال المؤسسات لتحقيق أهدافها، سواء كانت متمثلة في الربحية أو في كفاءة الأداء، بحيث تكون مخرجات المؤسسة أكبر من مدخلاتها، أو تكون المخرجات بأدني مدخلات ممكنة.. كل ذلك يؤلف مفهوم فاعلية المؤسسة. وأضاف رئيس الأكاديمية قائلا إن العالم اليوم تسوده تطورات ومستجدات متسارعة تتفاعل فيها الموارد البشرية وتترك آثارها علي تلك الموارد، إذ تتزايد العولمة والانفتاح وتتكامل الاقتصادات وترتفع أحجام تجارة السلع والخدمات وتحتدم المنافسة وتتحرك الموارد البشرية والمالية والمادية نحو المواقع ذات العوائد الأعلي والحوافز الأفضل، وتتهاوي الحدود بين الدول وتتجه أنظار العالم نحو التوحيد والتخصص كل حسب إمكانياته، وتقدم منتجاتها وخدماتها للغير في سوق مفتوحة متنافسة بشدة لا تعرف سوي الكفاءة والفاعلية معيارا للبقاء. وقال د.عصام زعبلاوي: إن التحدي الأساسي يتمثل هنا في القدرة علي صقل الخبرات والمهارات تعليما وتدريبا وتحقيق نقلة نوعية حقيقية في قدرات العاملين وقبولها للتحدي والاستجابة له باستمرار، يتم من خلالها المقارنة بين المستهدف والمتحقق في إطار استراتيجي يستند إلي رؤية واضحة ورسالة تؤكد علي الاهتمام بالموارد البشرية وجعلها نقطة الارتكاز في حرب الموارد البشرية. نفس الأمر أكده د.عمرو النحاس المدير التنفيذي للأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية، حيث أشار إلي أن التدريب أصبح حجر الزاوية والحل الرئيسي لتوفير العمالة القادرة علي أداء مهام العمل. وقال إن الناتج المحلي لأي منشأة، هو محصلة أداء القوي العاملة فيها، ويشكل مجموع هذا الناتج في جميع المنشآت الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الوطني، ومع تحسين أداء القوي العاملة من خلال التدريب، فإن الأمر ينعكس في النهاية علي زيادة هذا الناتج. باختصار شديد وكما قال كل من د.إبراهيم الدوسري استشاري التطوير المالي والإداري ود.قاسم التركي استشاري التدريب الدولي، فإن هناك غيابا للرؤية والرسالة لدي كثير من مراكز التدريب العربية، هذا بجانب كون ما يتم إنفاقه علي برامج التدريب بالمليارات، لكن العائد من ذلك لا يوازي حجم الإنفاق.. والسبب غياب الرؤية، وأكد الخبيران الدوليان علي ضرورة أن يكون التدريب مخططا وليس عشوائيا، وضرب د.الدوسري مثالا باليابان التي لا تملك موارد طبيعية لكنها من أكبر الدول المتقدمة، بعكس دول أخري متأخرة رغم كونها تملك الموارد.. والفارق هنا هو »البشر«!.. وقال إن التدريب هو أهم استثمار. وأضاف الدوسري ملخصا القضية في ضرورة أن يخرج المتدربون من أية برامج تدريبية بمهارات وأفكار، وليس بحقائب وأوراق لا تغني ولا تسمن من جوع، أو جهل أو فقر!