من أكثر المفاهيم والأفكار التي تسود علي المسرح السياسي في مجتمعنا، تلك القاعدة الفكرية البغيضة التي تقول: من ليس معنا فهو ضدنا، وعدونا وعلينا أن نكيل له جميع صنوف الاتهامات، ونشن عليه حربا ضروسا، حتي يعود إلينا راكعا مستسلما طالبا العفو والصفح والغفران! ولأن جماعة الإخوان اعتادت علي ممارسة الديكتاتورية والطاعة العمياء، فهي تريد ألا يتحدث أحد خلافا لرأيها، أو يرفض أراءها أو ينتقدها، وتريد أن يغرد الجميع بنفس التغريدات التي يطلقها الإخوة في الفضاء، وإلا أصبح حليف الأمس مخربا وخائنا وعميلا ومأجورا، وعدو لله والوطن! لذلك شاهدنا عددا من قيادات جماعة الإخوان وحزبها، يستقبلون مبادرة حزب النور السلفي، بهجوم شديد علي الحزب وقياداته، معتبرين أن تلك المبادرة نوع من "الشو الإعلامي " بغرض الحصول علي أصوات في الانتخابات البرلمانية، متهمين قيادات الحزب بالعبث السياسي، والارتماء في أحضان جبهة الإنقاذ الوطني، التي يرونها تسعي لتخريب الوطن وتمنح غطاء سياسيا للعنف في الشارع!! يا سادة.. إن هذا المذهب المذموم الذي أصبح الولاء معقودا عليه، يحتوي في طياته علي كل معاني الإرهاب ضد الرأي الآخر، ويتخذ ذريعة لاحتكار الحقيقة والرأي الصواب، وسجن العقول، ويحول المجتمع إلي طرفين نقيضين متصارعين، الأول الموالي والأخر المعارض رغم أن الحياة أرحب وأعمق بكثير من أن تقتصر علي حزبين متحزبين فقط. فلا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة، والإمام الشافعي يقول "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، وذلك عندما قدم إلي مصر وكان أهلها منقسمين إلي فرقتين، الأولي تميل إلي الإمام "مالك" وتناضل من أجله، والأخري تميل إلي قول "أبي حنيفة" وتناضل من أجله، ولكنه أتاهم بشيء شغلهم عن القولين! وذلك من خلال مشروعه المعرفي الرائد، حيث جدد تأليف "الرسالة" وأعاد النظر في كتابه "الحجة" الذي ألفه في بغداد ضد أراء أبي حنيفة، وألف بدلا منه كتاب "الأم"، والمعروف "بآراء الشافعي في الجديد"، وبذلك استطاع الإمام الشافعي أن يتهيأ للمنافسة والتأثير، وينجح في مهمته في مصر التي كانت حكرا علي المذهبين! والحق إنني أندهش من تصريح د. أحمد عارف المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين، والذي قال إن مكتب إرشاد الجماعة رفض في اجتماعه جميع المبادرات التي طرحتها القوي السياسية للحوار مع مؤسسة الرئاسة، لإيجاد حل سريع وحاسم للخروج من الأزمة الراهنة، يحقن دماء المصريين، بما في ذلك مبادرة حزب النور ومبادرة د. البر ادعي، بدعوي أن جماعة الإخوان ترفض فكرة الشروط المسبقة! بالله عليكم ما صفة مكتب الإرشاد لكي يرفض أو يوافق علي مبادرات الأحزاب والقوي السياسية؟! وما هو موقعه علي خريطة الدولة المصرية ؟! وبأي حق يملي إرادته وقراراته علي مؤسسة الرئاسة؟! إن الذين انتخبوك يا دكتور مرسي، لم ينتخبوا رئيسا وجماعة ومكتب إرشاد كحزمة واحدة!! أعتقد أن المبادرات التي قدمتها القوة السياسية هي بمثابة طوق النجاة الأخير، وخارطة طريق لإنقاذ الوطن، ولا أتصور أنه من الحكمة أن يرفضها الرئيس، ويترك الباب مفتوحا هكذا للاقتتال، لأن ممارسات مكتب الإرشاد تذكرني، بمقولة الفيلسوف الفرنسي فولتير "إن الذي يقول لك: اعتقد ما أعتقده أنا، وإلا لعنك الله، لا يلبث أن يقول لك اعتقد ما أعتقده أنا وإلا قتلتك!!