ليست الليبرالية دينا من الأديان ولا هي حتى مجرد مذهب ديني لنضعه في مقارنة مع الإسلام . أو أية ديانة سماوية أخري . فقد نشأت الليبرالية في بداية الأمر كدعوة لتحرير النشاط التجاري والاقتصادي من أية قيود قد تفرضها سلطة الدولة علي القائمين علي أمر هذه الأنشطة التجارية والاقتصادية . ثم تطور الأمر لتصبح الليبرالية دعوة سياسية يؤمن أصحابها بحرية المواطنين في الدولة في الانضمام لأي من الأحزاب بمرجعياتها المختلفة . ولم يكن أحد يتصور أن تصبح الليبرالية بمفهومها السياسي أو الاقتصادي . محل خلاف ديني خاصة بين الإسلاميين الذين كان من المفترض أن يكونوا أول – بل أكثر – الداعمين لها . بالنظر إلى كونها جوهر الإسلام وعمود الارتكاز فيه "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" وقد أمرنا الله أن نقول حتى للكافرين "لكم دينكم ولي دين" . إلي أخر الآيات التي تحث علي حرية العقيدة واختيار الدين . وقد نهانا الله عن أن نفرض الدين بالإكراه أو القوة " أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" . ليس صحيحا إذن أنه لا يوجد مسلم ليبرالي – كما قال أحد الجهلاء بصحيح الدين – فالمسلم ليبرالي بطبعه . بل لا يوجد مسلم صحيح الدين إلا وكان ليبراليا . ولهذا أتعجب من هؤلاء الذين يضعون الليبرالية والليبراليين في مواجهة الإسلام والإسلاميين . ثم يبالغون في هذه المواجهة فيدعون بالويل والثبور وعظائم الأمور علي كل ليبرالي "كافر وزنديق" . وما كان لهؤلاء أن يفعلوا ذلك إلا لاعتقادهم بأنهم يملكون الحقيقة احتكارا باسم الرب . وإن الله قد فوضهم بالحديث باسمه . رغم أن الإسلام الصحيح – والحقيقي – قد نهانا عن ذلك حتى لا يصبح دين المرء مرهونا في يد غيره من الناس . إما أن يمنحوه صكا بذلك أو يحرموه منه . فالإيمان والإسلام محله القلب "هل شققت عن قلبه" .. وإذا قال المسلم ما يقطع بتكفيره علي مائة وجه – أي مائة سبب أو مبرر – وقدم مبررا أو سببا واحدا فقط يحملنا علي الاعتقاد بإسلامه . كان هذا السبب الواحد هو الأرجح والأغلب علي المائة سبب قبله "فمن قال لأخيه يا كافر فقد باء بها" كما علمنا رسولنا الكريم . وفي قرآننا الكريم "إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" ومعني الآية أن الله وحده هو صاحب الحق الأصيل في الحكم علي دين المرء واعتقاده . حتى لا يشيع التكفير بين الناس – كما يحدث الآن – ونبحث عن مسلم واحد بين الملايين فلا نجده ! أما احتكار الحق – والحقيقة – باسم الرب أو بالتفويض الإلهي فهذا ليس من الإسلام في شيء . وقد نهي الرسول أصحابه عن التعبير عن أرائهم كما لو كانت هي حكم الله . وقد ذكر ذلك لصاحبه بريده حين جعله أميرا علي سرية كلفها بحصار الكفار فنهي رسولنا هذا الصحابي لأن يقول للكافر أنه ينفذ فيهم حكم الله " فإنك لا تدري هل أنت مصيب بحكم الله أم لا...فأنزلهم علي حكمك أنت وحكم أصحابك فيهم" وقد رفض عمر بن الخطاب أن يكتب من كان يملي عليه عبارة تقول "إن الله قد أرى عمر" . وقال عمر "بل أكتب إن عمر قد رأي" فهذا رأي عمر وليس رأي الله . هكذا بلغت الخشية بالرسول (ص) وأصحابه أن يتحدثوا باسم الله واستكثروا ذلك علي أنفسهم .. فما بال هؤلاء الآن يرمون الناس بالكفر لمجرد الخلاف في رأي سياسي .. ويتقولون علي الله ورسوله بما لم يقوله أو يفعله.. ويرهبون من يخالفهم الرأي ويتوعدونه بسوء العاقبة ويحقرون من شأنه .. ويضعونه موضع الإذلال والتحقير . لمجرد أن رأي غير ما يرون . أو اعتقد بغير ما يعتقدون .. أين هؤلاء جميعا مما قاله الإمام الشافعي رحمه الله "إن رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب" .. هل أصبح هؤلاء أفقه من الشافعي وأكثر حرصا علي الإسلام من الله ورسوله..؟!! [email protected]