طوال العامين الماضيين كنا جميعا - ومازلنا- »سياسيين«! السياسة علي مائدة الإفطار ومائدة الغداء ومائدة العشاء.. لاشئ سوي الحديث عن السياسة والسياسيين.. ولا شئ عن الاقتصاد! اليوم.. الأمر يحتم أن نصبح »اقتصاديين«.. ومع ذلك لسنا مضطرين إلي نسيان السياسة، ولكن لكون الاقتصاد الآن أصبح أمرا ملحا في ضوء التحديات الراهنة فإن القضية الاقتصادية تطرح نفسها وتفرض تحدياتها علي الجميع الذين اتفقوا علي ان مفتاح الحل للأزمة الاقتصادية هو »سياسي« بالدرجة الأولي.. الحل الآن.. وليس غدا.. وإن لم يحدث توافق سياسي فإن الحلول الاقتصادية لن تجدي ولن تحقق المرجو منها..هذه الحقائق طرحها نخبة من كبار خبراء الاقتصاد دعاهم د. أحمد جلال كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي سابقا والمدير التنفيذي لمنتدي البحوث الاقتصادية إلي حوار حول الاقتصاد المصري للتوصل إلي حلول عاجلة تواجه التحديات الراهنة. نخبة ضمت بجانب د. أحمد جلال كلا من د. جلال أمين أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة ود. حازم الببلاوي نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية السابق ود. أشرف العربي وزير التخطيط والتعاون الدولي ود. رانيا المشاط وكيل محافظ البنك المركزي وهاني قدري مساعد أول وزير المالية.. ومع هؤلاء كانت هناك أيضا اسماء مرموقة مثل د. عبدالعزيز حجازي رئيس الوزراء الأسبق ود. معتز خورشيد وزير التعليم العالي السابق ود. أمنية حلمي المديرة التنفيذية للمركز المصري للدراسات الاقتصادية ود. هناء خير الدين أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة ود. زياد بهاء الدين رئيس هيئة الاستثمار السابق ومحمد سرور مستشار وزير المالية وأبوبكر الجندي رئيس جهاز التعبئة والاحصاء والسفير جمال البيومي ومنير فخري عبدالنور وهشام فهمي ود. محمد تيمور ود. عالية المهدي وعبدالفتاح الجبالي ود. هانية شلقاني ود. عادل بشاي ودينا خياط وآخرين كانت لهم بصمة واضحة في حوار مهم وملح في ذات الوقت..ولتكن البداية مع كلام مهم للدكتور جلال أمين الذي لخص رؤيته بشأن المحنة الراهنة بقوله إن اسبابها ليست اقتصادية بل سياسية كان وراءها تدهور الأمن والفوضي وعدم الاستقرار. وأضاف متسائلا: إذا كان الأمر كذلك.. ما الحل؟ وأجانب مؤكدا ضرورة عودة الاستقرار وطمأنة المستثمرين وأصحاب المطالب الفئوية خاصة إذا كانت تلك المطالب وجيهة. وقال ان الطمأنينة لا تأتي من خلال البوليس بل بتغيير لهجة الخطاب السياسي والذي - في رأيه- يزيد من حالة القلق.. وأضاف قائلا: لابد من انهاء حالة الخصام والتأكيد علي بناء دولة عصرية مدنية وليس العودة إلي العصور الوسطي! إذن - كما قال د. جلال أمين- المشكلة سياسية والخروج منها سياسي مشيرا إلي ان الوقت الراهن ليس مناسبا للحديث حول تصاعدية الضرائب. وتساءل مرة أخري: أين الأموال المهربة وماذا فعلنا لإعادتها؟! وأجاب قائلا: هناك صمت سياسي بشأنها.. لقد قدمنا للمحاكمة صغار الفاسدين وتركنا الكبار! وأضاف: ان الحلول لاتحتاج إلي عبقرية اقتصادية.. والمهم هو اقناع أصحاب القرار باتخاذ القرارات المناسبة والضرورية! ومن جانبه أشار د. حازم الببلاوي إلي أن حصانة الاقتصاد المصري طوال العامين الماضيين كانت أقوي مما كان يعتقد الكثيرون ويؤكد انه ليس اقتصادا هشا، وقال ان الخروج من عنق الزجاجة لن يتم بدون تضحيات مشيرا إلي ان الثمرة لا تأتي قبل الانتاج والعمل. وأضاف مؤكدا هو الآخر اقتناعه بأن علاج الأوضاع الاقتصادية يتمثل في اصلاح الأوضاع السياسية، مشيرا إلي ان جوهر القضية يتركز في انعدام الثقة. وأضاف قائلا ان ما نقوم به حاليا هو مجرد اطفاء لحرائق بعيدا عن وجود رؤية واضحة للسنوات القادمة.. وباختصار القضية يتم مواجهتها بإعادة الاستقرار وإزالة حالة عدم اليقين. وبدورها أعربت د. رانيا المشاط وكيل محافظ البنك المركزي عن ثقتها في كون مصر بعيدة تماما عما يمكن تسميته بالإفلاس أو بمعني أدق بعيدة عن اعلانها عدم قدرتها علي سداد ديونها وفوائدها. وقالت إن مصر لم تتأخر عن سداد تلك الديون«. كما أعربت عن تفاؤلها وكل العاملين بالبنك المركزي والجهاز المصرفي وبررت ذلك بأن علاج المشكلة معروف وهو استعادة الاستقرار والأمن ومن ثم تدفق الاستثمارات ورؤوس الأموال وإعادة الاحتياطي النقدي إلي أوضاعه السابقة. وأشارت د. رانيا إلي انه من الخطأ النظر إلي السياسات المالية بشكل جزئي ومنفصل فلا يجب النظر مثلا إلي سياسة سعر الصرف بعيدا عن السياسات الأخري. وقالت ان تخفيض تصنيف مصر الائتماني مع تأجيل قرض صندوق النقد الدولي أدي إلي نوع من القلق بالسوق الذي شهد مضاربات غير مبررة علي العملة الأجنبية حيث لم تكن تلك المضاربات لتمويل أمور ضرورية. وأشارت كذلك إلي ان سعر الصرف عادة ما يشهد تذبذبات مع افتعال حالة من القلق وقد تعامل البنك المركزي مع مثل هذه المواقف مرات عديدة وتم »ضرب« المضاربين حتي عاد سعر الصرف ليعكس حالة العرض والطلب، وسيتم التعامل مع المضاربين بعنف في حالة عودتهم لممارسة أفعالهم الضارة. وأكدت د. رانيا أنه ليس هناك سقف معين لسعر الصرف وقالت ان أي قرار اقتصادي له جدوي وله أيضا تكلفة، مشيرة إلي ان التأخير في الاصلاح يزيد من التكلفة.. والمهم استعادة الاستقرار والأمن. هذا وقد جاءت أقوال د. أشرف العربي وزير التخطيط والتعاون الدولي لتؤكد أهمية التوافق الاقتصادي مع عدم إغفال ضرورة التوافق السياسي.. وقال إن أي اصلاح له ثمن، وكلما زادت المشكلة زاد حجم التكلفة، وكلما تأخرت المواجهة ازداد الأمر سوءا. وفي ذات السياق أعرب هاني قدري مساعد أول وزير المالية عن ثقته في قدرة الاقتصاد المصري علي استعادة قدرته علي النمو مرة أخري وبسرعة وقال ان الاقتصاد المصري يعمل حاليا بثلث طاقاته مشيرا إلي وجود قطاعات قوية مثل الاتصالات والانشاءات والصناعات التحويلية وعندما يعود الاستقرار تبدأ كل القطاعات في استعادة قدراتها. وقال ان الاقتصاد المصري اثبت قدرته علي أن يطفو اثناء الأزمات. وأشار إلي وجود فجوة تمويلية قدرها 5.41 مليار دولار وقال ان فاتورة الاصلاح لابد ان يتحملها الجميع ماعدا الفقراء ولابد من التوازن في توزيع أعباء الاصلاح مع إعفاء محدودي الدخل من ذلك العبء قدر المستطاع. وطرح هاني قدري قضية الضريبة العقارية مؤكدا ان أصحاب المصالح اتخذوا من الفقراء دروعا بشرية لإلغاء هذه الضريبة أو تأجيلها أكبر فترة ممكنة، وقال انه لا يمكن معاملة ساكني القصور مثل ساكني القبور، وأضاف ان النية تتجه إلي اعفاء مسكن خاص واحد بحد أقصي 2 مليون جنيه والذي يملك وحدتين يدفع عن الثانية 01٪ مع إعادة تطبيق حد الاعفاء كل 5 سنوات. وسيتم توجيه 52٪ من الحصيلة للمحليات مع اعفاء المحافظات الأكثر فقرا من نسبة ال52٪ لتزيد عن ذلك، وكذا تخصيص 52٪ أخري لصندوق تقدير العشوائيات. وباختصار شديد وكما قال د. أحمد جلال فقد كان هناك إجماع علي ان الحل لابد ان يبدأ اليوم وليس الغد.. وأن مفتاح الحل هو »سياسي« بالدرجة الأولي.. ومع ذلك لم تخل جلسة الحوار من التساؤلات فها هي د. هانية شلقاني الأستاذة الأمريكية بمركز الدراسات الاجتماعية بالجامعة الأمريكية تتساءل عن سبب اختفاء نظام الدعم النقدي وعدم تطبيقه وهو النظام الذي يقوم علي الشفافية! وها هو السفير جمال البيومي يقسم علي ان مصر لا تعاني مشكلة اقتصادية لكنها تعاني من عدم وضوح الرسالة السياسية، وها هو منير فخري عبدالنور يؤكد ان أساس المشكلة سياسي وكذا د. عالية المهدي التي أكدت نفس المعني قائلة: لا حلول اقتصادية بدون حلول سياسية!