تحقيق شريف جاب الله: مستقبل سعر الصرف في مصر.. في ظل تراجع الاحتياطي النقدي, وانخفاض موارد النقد الأجنبي من السياحة والتصدير.. وهو ما بات يهدد بانخفاضات كبيرة في قيمة الجنيه وارتفاع تكلفة الاستيراد وبالتالي الأسعار.. أصبحت القضية ذات الأولوية علي أجندة الإدارة الاقتصادية حاليا.. حيث أصبح التساؤل الأساسي هو عن سيناريوهات المستقبل القريب بالنسبة لسوق الصرف الأجنبي, وذلك بالنظر للوضع الاقتصادي الحالي وتأثره بالمشهد السياسي أساسا, أكد الخبراء والمراقبون3 محددات أساسية في الوضع الحالي.. أولها: أن البنك المركزي قادر علي قتل المضاربات وله تجربة في ذلك عام2008, وثانيا: أن تحريك سعر الصرف التدريجي أصبح ضرورة حاليا في ضوء ندرته ويبقي الاستقرار السياسي عنصرا مهما لعودة موارد النقد الأجنبي, أما الأمر الثالث فهو أن ما حدث الأسبوع الماضي والأيام الماضية هو عامل نفسي أكثر منه فني, وذلك فيما يتعلق بسعر الدولار والتعامل عليه. الدكتور أحمد جلال الخبير الاقتصادي ورئيس منتدي الدراسات الاقتصادية, يقول: لقد كانت السياسة النقدية بعد يناير2011 وفي الفترة الأولي من الثورة سياسة حصيفة, ففي ذلك الوقت غير المستقر كان هناك هروب لرءوس الأموال بدرجة كبيرة بأرقام تصل للمليارات, وكانت السياحة لا تأتي.. وكان الوضع استثنائيا.. والوضع الاستثنائي يتطلب سياسة استثنائية.. ومن ثم جاءت السياسات التي استخدمها المركزي خلال الفترة الأولي بعد الثورة, حيث استخدم الاحتياطي النقدي لعدم تأثر الجنيه مع بعض القيود الكمية, علي التحويلات للدولار من مصر للخارج, خاصة بالنسبة للمصريين ووقتها لم يستطع المركزي فرض تلك القيود علي الأجانب.. وقد كانت تلك الإجراءات معقولة علي حد قول أحمد جلال وقتها إلا أنه وبعد6 اشهر وبدء تباطؤ الاقتصاد والصادرات وانخفاض الاستثمارات الأجنبية وخروجها, وأيضا تباطؤ السياحة.. هذه الفترة كان من المفروض فيها أن يتبع المركزي سياسة أكثر مرونة حتي لا تنهار الاحتياطيات وتصل الي51 مليارا بعد أن كانت34 مليارا.. ثم يبدأ الضغط علي الجنيه وبصورة محسوسة. ويضيف: لقد اقترحت بعد6 أشهر من الثورة أن يضع المركزي سياسة أكثر مرونة وبحيث يستخدم قدرا من الاحتياطي ولكن يسمح للجنيه بالنزول, وحتي يكون الضغط موزعا علي الاحتياطيات والأثر السعري ويجب أن نلاحظ ونذكر هنا أن انخفاض قيمة الجنيه يحفز الصادرات ويرشد الواردات ويحد منها, ومن ثم كان هذا الحل يفترض الأخذ به منذ عام من الآن. لقد انتظرنا حتي استنفدنا معظم الاحتياطيات التي لا نستطيع النزول بها أكبر من ذلك, وزاد الضغط علي الجنيه ومن ثم يصبح أمامنا حاليا بديلان, الأول: ضخ أموال بشكل ما من الخارج, من خلال القروض والاستثمار والسياحة وهو ما يقلل الضغط علي الجنيه ويجعل المشكلة الخاصة بالدولة تقل, ولو لم يحدث هذا فلابد من نوع من التوازن في التعامل مع سعر الصرف ويجب أن نلاحظ هنا, أن زيادة التقييد الكمي أو القيود الكمية في معظم الأحوال توجد سلوكيات ضارة أكثر منها نافعة, ويتحايل الناس علي القانون ومن ثم يصبح الحل الآخر أو البديل هو اللجوء لأمرين, الأول: السماح للجنيه بأن يتحرك بشكل تدريجي وأحاول بقدر الإمكان أن أحصل علي أموال من الخارج( اقترض؟) أشجع السياحة وردا علي تساؤل حول فرض ضريبة علي الأموال الساخنة قال كان هذا ممكنا قبل خروج الاستثمار الأجنبي, أما حاليا فالمشكلة ليست في الأموال الساخنة بل في خروج الأموال وعدم وجودها.. فعدم الاستقرار السياسي أدي لعدم وجود الأموال الساخنة. ويضيف أحمد جلال: لاحظ أننا لا يجب أن نفكر في سعر الصرف فقط, ولكننا محتاجون إلي منظومة للاصلاح الاقتصادي لتحقيق أهداف تنشيط الاقتصاد وسد عجز ميزان المدفوعات, والمحافظة علي مستوي الجنيه حتي لا ينخفض بشكل مفاجئ, وأيضا تلبية متطلبات اجتماعية مشروعة.. فلابد من التفكير في أنواع من السياسات والتي تدعم بعضها وتحقق أهدافا محددة والتوفيق بين أهداف متعارضة, أما لو عملت محور السياسات الاقتصادية فقط للحفاظ علي توازن سعر الصرف فستكون التكلفة عالية. ويقول جلال: اننا لو جعلنا سعر الصرف يرفع تدريجيا سيظهر من يؤكد ظهور تضخم من الخارج نتيجة الاستيراد, وفي الحقيقة أنه لا توجد سياسة اقتصادية ليس لها أضرار جانبية فكل السياسات لها آثار جانبية وبالتالي لا تترك, ولكن انفذها لو كانت المنافع أكثر من الخسائر, مع تعويض الخاسرين, فمثلا لو سعر الصرف يؤدي الي زيادة الأسعار أزود المعاشات أو الدعم ب01%, وذلك لو المنفعة الاجمالية للاقتصاد بالموجب, إذن لابد من تبني السياسة وفي نفس الوقت تبني إجراء آخر لتعويض الخاسرين. ويقول أحمد غنيم أستاذ الاقتصاد: المشكلة لها شق فني وآخر نفسي, الأول متعلق بآليات عمل الاقتصاد وكثير من العامة ليسوا علي دراية به, أداء الاقتصاد المصري في السنتين الماضيتين انعكس علي الاحتياطي الأجنبي انخفض من36 مليار دولار, بالاضافة الي4 مليارات للتعامل مع الأموال الساخنة بالبورصة الي15 مليار دولار, هذا معناه أن الاقتصاد ليس علي ما يرام, وان احتياجاتنا من النقد الأجنبي مقارنة بما يمكن توفيره منها بها خلل وبالتالي تصبح البدائل, أما ترك سعر الصرف للتحرك وفي هذه الحالة تحدث زيادة فيه أو السحب من الاحتياطي.. وهذا مشهد تكرر في1998 ورفض رئيس الجمهورية أن يحرك سعر الصرف وبدأ في السحب من الاحتياطي وبعد عامين2001 أصبح الوضع غير مقبول, ومن2001 2003 فقط فقد الجنيه المصري40% من قيمته.. الدرس السابق يؤكد أنه لكي يحدث نوع من التوازن يجب تحريك سعر الصرف لكي يعكس الوضع الاقتصادي المتدهور بصورة تدريجية, ولكن محافظ البنك المركزي فضل عكس ذلك للمحافظة علي الأوضاع الاجتماعية, خاصة معدل التضخم وحقيقة الأمر أنه نجح في ذلك في العامين الماضيين فمعدل التضخم لم يتحرك عن9% أو10%.. إلا أن السؤال هو هل هذا الأمر يمكن الاستدامة فيه؟ يقول أحمد غنيم لا أعتقد, فالتفاوض مع صندوق النقد الدولي يفرض أن يكون بمؤشراتك الاقتصادية نوع من التناغم, فاقتصاد مترد, وفي هذا الوضع يجب أن ينعكس علي العملة. وبالتالي والكلام علي لسان غنيم: يجب أن يعدل سعر الصرف لكي يعكس وضع الاقتصاد.. ولكن كيف نفعل ذلك؟ أعتقد أننا لم نتكلم مع صندوق النقد الدولي إلا أن الأكيد هو أن سعر الصرف لابد من تعديله حتي يعكس الأوضاع الاقتصادية, وبالتالي سيكون علي البنك المركزي تحريك الدولار لقتل المضاربات, ومحافظ البنك المركزي الحالي أثبت قدرة علي ذلك منذ تولي في2003 وكل ذلك يؤكد ضرورة تحريك سعر الصرف. ويكشف غنيم أن ما حدث الأسبوع الماضي يدخل في دائرة العوامل النفسية أكثر مما هو فني, ولم يحدث أي شيء لظهور سوق موازية والارتفاع المفاجئ والسحب من البنوك, وراءهما عاملان: الأول إرجاء الاتفاق علي قرض صندوق النقد الدولي, وثانيا تخفيض التصنيف الائتماني لمصر.. ومن الواضح أن تقييم المؤسستين الماضيتين لم يتم في أسبوع ولكن امتد لفترة طويلة وبالتالي فإن ما حدث الأسبوع الماضي هو مضاربات متأثرة بالعامل النفسي وليس الفني. البنك المركزي قادر علي التعامل مع هذه المضاربات من خلال ضخ دولارات جديدة, بعد الأزمة المالية في2008 ضخ المركزي2 مليار دولار وبالتالي هو علي استعداد لقتل المضاربة فبحكم خبرة العقدة هو قادر علي ذلك.. ولكن هل هذا الوضع سيستمر؟ لا.. لان المقومات في ظل تدني موارد تفرض ضرورة تحريك سعر الصرف.. لأي مدي يتحرك هذه أمور لابد أن تحسب, ولكن يمكن أن تصل ل15%.. لقد أسهمت الحكومة في هذه الأزمة من خلال إعلان رئيس مجلس الوزراء أن الاقتصاد في مرحلة حرجة ولابد من اتخاذ اجراءات وهذا زاد الطين بلة, فالقرار الخاص بتحديد حد أعلي للنقد الأجنبي مع المسافر زاد الطين بلة كان غرض الحكومة اشعار الناس أن هناك أزمة وأنها تأخذ اجراءات تقشفية.. لقد انعكس هذا بالسلب علي النقد الأجنبي فعند اعلان الحكومة عن اجراءات تقشفية لابد أن تعلن عن الجانب الاجمالي وبغير ذلك سيكون هناك انشقاق. إذن يكمن الحل في تحريك سعر الصرف تدريجيا, والبنك المركزي قادر علي قتل المضاربات والتعامل معها, ان الوضع الحالي يتمثل في عدم اليقين ودرجة المخاطرة العالية وهذا يؤثر علي القدرة علي استيراد الأشياء الأساسية.. لانه سيكون من الصعوبة قيام البنوك بضم اعتمادات مستندية. وردا علي تساؤل خاص بوضع قيود علي تحويل النقد الأجنبي خاصة الساخنة, يقول: لقد اقترحت هذا الحل علي د. سمير رضوان وجئت له بخبرة ماليزية واعترض المحافظ وقال لو حدث ذلك سيؤثر علي دخول النقد الأجنبي للبلد.. وحاليا ليس لديك ما يمكن أن تحافظ عليه, فقد كان هذا الشيء يمكن اتيانه في حالة وجود رصيد من الاحتياطي وترغب في الحفاظ عليه ولكن لو فرضته حاليا ستحجب الأموال العربية والأجنبية عن الدخول.