أمام الانفلات الصدمة للدولار والذي فاق كل الحدود لابد أن تتعاظم الدهشة وأن يسود الهلع مما هو قادم بالنسبة للغالبية الشعبية من الفقراء ومحدودي الدخل. في مواجهة كل هذا الذي يحدث وأصبح حديث الشارع المصري تلتزم الحكومة ومعها البنك المركزي المسئول عن السياسة النقدية الصمت المريب الذي لا تفسير له سوي العجز والاستسلام. كل الشواهد والدلائل والتطورات تؤكد أن المسئولين عن متابعة هذه الأزمة وإيجاد حلول لها في حالة ضياع كامل. لم يعد خافيا أن التخبط وغياب أعمال الفكر والظروف غير المواتية كلها أدت إلي تفاقم هذه الازمة التي انفلت عيارها بعد التصريحات التي لم يكن لها ما يبررها لمحافظ البنك المركزي طارق عامر تضمنت هذه التصريحات الاشارة إلي احتمالات تعويم الجنيه. من سير الأمور أصبح واضحا ان مافيا العملة والمضاربين علي الجنيه المصري امسكوا بالهدف والمعني غير الموفقين لهذا التصريح وقرروا الاضطلاع بمهمة التعويم. أدي ذلك إلي ارتفاع سعر الدولار الي ما يزيد علي 12٫5 جنيه وما زالت الزيادات مستمرة. هذا المشهد يتواصل بينما اختار المسئولون في الدولة عن ضبط سوق العملة أن يكونوا في شرفة المتفرجين علي هذه المهزلة المأساوية وتداعياتها علي حياة الناس. المشكلة ليست فقط في ان هذا الارتفاع العشوائي لقيمة الدولار وليد اخطاء متوالية للسياسة النقدية التي يمكن ان يقيمها خبراء الاقتصاد.. ولكن الكارثة هو الآثار والتداعيات ذات الأبعاد الخطيرة في ظل ربط أسعار كل الاحتياجات بهذه القيمة. الانحدار علي هذا الطريق الخطر يجري بسرعة متناهية. في الوقت الذي يتفنن فيه مسئولو الحكومة عن السياسة المالية والاقتصادية في زيادة الأعباء علي المواطنين من خلال ما يتم اتخاذه من قرارات الجباية التي لن تستثني الفقير الذي يعاني الأمرين في البحث عن قوت يومه. بالطبع فان أحدا لا ينكر ان هذه المشكلة التي نعيشها حاليا ليست وليدة الساعة وانما لها جذور واسباب يعرفها ويدركها الجميع. ان أهم ركائزها تتمثل بشكل أساسي في تدني الانتاج. هذه الظاهرة المدمرة ترجع الي تراجع تشغيل المشروعات الإنتاجية علاوة علي تدني انتاجية العامل المصري في كل المجالات. كان من نتيجة ذلك نقص حاد في سد احتياجاتنا وعدم وجود ما يمكن تصديره لزيادة عائد الخزانة من العملات الاجنبية لاستيراد ما نحتاجه. يضاف إلي ذلك ما نتعرض له من ضغوط خارجية لها أهداف سياسية تتمثل في التضييق علي مواردنا من هذه العملات ومنها علي سبيل المثال السياحة بالإضافة الي تحويلات المصريين في الخارج التي يجري المضاربة علي أسعارها لحرماننا منها. كم أرجو من القيادة السياسية المثقلة بالعديد من هموم هذا الوطن ان تتوافر لها الحكمة للتحرك السليم والمحسوب للخروج من هذا المأزق تجنبا لما يمكن أن يترتب عليه. أصبح حتميا ان يدرك الجميع في هذا الوطن إننا في خطر وأن يؤمنون بضرورة وأهمية ان تتضافر جهود العقول وأن تتجمع كل الخبرات من أجل ايجاد حل لهذا الوضع.