شاركت مصر منذ اسابيع قليلة في اجتماعات وزراء مياه دول حوض النيل بمدينة عنتيبي باوغندا، وتأتي المشاركة المصرية برئاسة السيد وزير الري لاول مرة منذ خمس سنوات، وهي مشاركة تلقي بحجر في المياه الراكدة منذ عام 2010، بعد اعلان مصر عدم موافقتها علي مسودة اتفاقية عنتيبي التي وقعت عليها بعض دول الحوض بشكل منفرد. الحقيقة انه كان امامنا ثلاثة خيارات رئيسية قبل اجتماع عنتيبي: ان نشارك بوفد فني كما فعلنا خلال الاعوام الستة الماضية مع التأكيد علي موقفنا الرافض للاتفاقية بوضعها الحالي، أو ان نشارك بوفد وزاري مع عودة كاملة للمبادرة والعمل علي تعديل بنود الاتفاقية من داخل المبادرة وليس من خلال تجميد الانشطة بها، وهو الخيار الذي تتبناه الدول الموقعة علي الاتفاقية بوضعها الحالي وتدعو مصر لقبوله. الخيار الثالث هو المشاركة بوفد وزاري مع التأكيد علي التحفظات المصرية علي الاتفاقية والاستمرار في تجميد الانشطة مع دعوة دول الحوض للتقدم بمبادرات لطمأنة التحفظات المصرية. وقد تم تبني الخيار الثالث الاكثر تعبيرا عن المصلحة المصرية وثوابتها، مع فتح نافذة صغيرة يمكن ان تمتد خلالها مبادرات لحل الموقف المتجمد منذ عام 2011، وبصيغة أخري فهو موافقة علي مناقشة المشروعات المشتركة في عنتيبي، مع رفض للاتفاقية الاطارية بوضعها الحالي. وللتذكرة بالتاريخ فقد قامت مبادرة حوض النيل عام 1997 بهدف توفير الدعم الفني والمالي والمؤسسي لدول حوض النيل وانطوت علي برنامج لمشروعات الأحواض الفرعية الذي يهدف إلي إحداث تحسن سريع في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لصالح التجمعات الفقيرة والمحرومة في حوض النيل الشرقي وحوض النيل الجنوبي من خلال تنفيذ حزمة من المشروعات الاستثمارية. وقد لعبت مصر دوراً ريادياً في تأسيس المبادرة من خلال مطالبتها البنك الدولي بترأس مجموعة المانحين لتمويل المبادرة ومشروعاتها التنموية عن طريق تمويل دراسات لمشروعات تستهدف تنمية الموارد المائية العابرة للحدود في حوضي النيل الجنوبي والشرقي، وكذلك تمويل تنفيذ بعض المشروعات الصغيرة. واستكملت مصر مسيرة التعاون الإقليمي من خلال المبادرة عن طريق المشاركة الفنية الفعالة والالتزام بدفع مساهماتها المالية لكل من سكرتارية المبادرة وبرنامجي النيل الشرقي والجنوبي إلي أن تصاعدت الأزمة بعد التوقيع المنفرد من دول المنبع علي الاتفاقية الإطارية غير المكتملة حيث وقعت كل من أوغندا- اثيوبيا- تنزانيا ورواندا علي الاتفاقية الاطارية في مدينة عنتيبي بأوغندا في مايو 2010، تلتها كينيا ثم بوروندي وصدقت عليها كل من اثيوبياوتنزانيا ورواندا. وقد نتج عن التوقيع المنفرد تجميد كل من السودان ومصر لأنشطتهما في المبادرة في عام 2010 إلا أن السودان عاود استئناف مشاركته عام 2014. واستمرت مصر في التجميد حفاظاً علي موقفها القانوني حيث ان استمرار هذا الوضع يمثل ترسيخا لمبدأ فصل حوض النيل إلي دول منبع ودول مصب وأملا في ان يكون دافعا لإعادة التفاوض بخصوص الاتفاقية الاطارية لحل النقاط العالقة. والتحفظات المصرية علي الاتفاقية الاطارية تطلب نصا صريحا يضمن عدم المساس بحصة مصر من مياه النيل وحقوقها التاريخية، وان تتضمن الاتفاقية بندا خاصا بالإخطار المسبق عن المشروعات المزمع إقامتها بدول أعالي النيل، واتباع إجراءات البنك الدولي أو اتفاقية الأممالمتحدة 1997 مع إدراج هذه الإجراءات صراحة في الاتفاق وليس في الملاحق الخاصة به، مع التأكيد علي أن تكون جميع القرارات الخاصة بتعديل أي من بنود الاتفاقية الإطارية أو الملاحق بالتوافق وليست بالأغلبية. وبكل موضوعية فإن تلك التحفظات في محلها ولايجب ان يتم تجاوزها بدون تطمينات كافية، خصوصا والعالم كله يمر بمرحلة شديدة من السيولة وتبدل المواقف والتحالفات، مما يجعل الحفاظ علي الحقوق من خلال اتفاقيات مكتوبة شيئا لازما وحقا اساسيا للاجيال القادمة. ليس فقط في مجال الموارد المائية وإنما أيضاً في مجالات الزراعة والطاقة والتعليم والصحة والاتصالات والدفاع والصناعة والاستثمار والسياحة وغيرها من المجالات. وبالرغم من تجميد مصر لأنشطتها في المبادرة الا ان الأنشطة الثنائية مع كل دولة من دول الحوض لم تتوقف، وهناك مسار الاتفاقية الاطارية الذي يضم كل دول الحوض، وهناك المسار الثنائي الذي يربط بين مصر وكل دولة من دول الحوض بشكل منفرد، والذي تجاوزت قيمته المالية 110 ملايين دولار، تم استثمارها في تنفيذ مشروعات تنموية.