في الآونة الأخيرة برز تحول تاريخي في علاقات أجهزة المخابرات الإسرائيلية- الروسية. فلأول مرة يتم لقاء فريد يجمع بين رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين، وبين رئيس جهاز الاستخبارات الروسي (إس ڤي آر) ميخائيل يڤيموڤيتش فرادكوڤ. أهم ما ميز اللقاء انه تم في مقار جهاز (إس في آر) الواقعة في ضاحية ياسينيفو خارج موسكو. ولأول مرة يسمح لرئيس للموساد بالدخول إلي «ياسينيڤو» التي ستظل محفورة في التاريخ وفي الأفلام والكتب التي توثق لأيام الحرب الباردة بأنها كانت مقرات «الكي چي بي» جهاز الاستخبارات السوفييتي الشهير. في تلك الحقبة كان ال»كي جي بي» يصنف الموساد بأنه تالي جهاز استخباراتي عدائي بعد الأمريكي «سي آي إيه»، والبريطاني «إم آي 6 « بسبب مقاومتهم لكل محاولات الاختراق السوفييتي. الآن بعد 25 سنة من انهيار الاتحاد السوڤييتي أجري رئيسا جهازي المخابرات محادثات لأول مرة في مقر الجهاز الروسي لبلورة نتائج التفاهمات التي تم التوصل اليها خلال اللقاء الأخير بين الرئيس ڤلاديمير پوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو حول تعميق التعاون الأمني والاستخباراتي بينهما. الإسرائيليون يحاولون التودد لرئيس الاستخبارات الروسية بالبحث عن قواسم مشتركة ترطب العلاقات وتمحو أثر العداء القديم بين جهازي «الموساد» وال «كي چي بي «بالنشر عن التاريخ المهني المميز لرادكوڤ الذي يمشي ووراءه 9 أعوام من الخبرة في رئاسة الاستخبارات ويعتبر أطول رؤساء أجهزة الاستخبارات في العالم بقاء في منصبه. ولم تنس الصحافة الإسرائيلية المقربة من جهاز الاستخبارات الإشارة إلي ديانة والد فرادكوڤ اليهودية لاسيما وقد جاء اللقاء بعد يومين من تعرض «الحاخام «ميخائيل مارك لإطلاق نار فلسطيني أثناء قيادة سيارته أودي بحياته وللمصادفة فإن هذا الحاخام هو ابن عم رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين. لكن السؤال إلي أي مدي يمكن أن تنجح محاولات التودد الشخصي لفرادكوڤ ومغازلة مشاعره الدينية في إذابة الجليد القديم وفي تغليب المشاعر الإنسانية لرجل المخابرات علي المصالح الاستراتيجية لبلاده. فالمعروف هو أن الحرب علي الإرهاب الداعشي أحد الموضوعات محل النقاش. وأسوأ مخاوف الرئيس پوتين هو تزايد ظاهرة عودة الروس المدرجين في قائمة الإرهابيين الداعشيين إلي روسيا للقيام بمهام تفجيرية. وقد برزت هذه الظاهرة بعدما بينت التحقيقات ان الثلاثة المتهمين في العمليات التي وقعت مؤخرا في تركيا من الناطقين بالروسية من دول الاتحاد السوڤييتي السابق؛ أحدهم شيشاني والثاني اوزبكي والثالث قيرغيزي دخل الأراضي التركية قبل شهر تقريبا من العملية بجواز سفر روسي وكان يمكث في الرقة معقل داعش بسوريا. إسرائيل تردد نفس الهاجس وتقول ان هناك تزايداً في أعداد الفلسطينيين المتعاطفين مع تنظيم الدولة الإسلامية وبعضهم لديه صلات عبر الحدود في الأردن يتأهبون لتنفيذ عمليات هائلة في إسرائيل. وكان جهاز الشين بيت قد نشر فيديو يبين 8 أعضاء بإحدي الخلايا الفلسطينية بجبل الشيخ يقسمون بالولاء لداعش وأبي بكر البغدادي قبل القيام بعملية سوق تل أبيب. لذلك يظل امام أجهزة المخابرات الروسية والإسرائيلية التي بدأت التعاون مؤخرا والتنسيق فيما بينها معضلتان: الأولي هي: إلي أي مدي يمكن ان يقبل الشريكان ان يكشف احدهما للآخر عن أسراره من أجل الهدف المشترك بالنظر إلي تاريخ العداء السابق بينهما خاصة ان التعاون بين الجهازين سوف يضطرهما للكشف عن بعض وسائلهما في العمل وبعض الأجهزة فائقة التكنولوجيا.. الثانية هي: أن مبالغة روسيا في حاجتها لإبعاد الإرهابيين الداعشيين عن حدودها وإبقائهم داخل سوريا يعرض سياستها الدولية ومصالحها غير المشتركة مع اسرائيل للعديد من التحفظات. فهل يمكن ان يلبي الموساد بعض المطالب الروسية ويهدئ مخاوفها من أجل خاطر محاربة الإرهاب المتأسلم علي نفس المنوال الذي خدمت به الموساد السي آي ايه إبان الحرب الباردة؟