في عام 1961 ظهر اوبريت «الليلة الكبيرة» إلي النور علي خشبة مسرح القاهرة للعرائس، خمسة وخمسون عاما مضت علي أول عرض للأوبريت، اجيال تربت علي مشاهدة «الليلة الكبيرة»، وسيبقي الاوبريت خالدا لعظمة مبدعيه «الشاعر صلاح جاهين - والملحن سيد مكاوي - ومصمم العرائس ناجي شاكر - ومهندس الديكور مصطفي كامل» واصوات العمالقة الذين جسدوا شخصياته «سيد مكاوي، شفيق جلال، عبده السروجي، محمد رشدي، حورية حسن، إسماعيل شبانة، صلاح جاهين، شافية أحمد، والمخرج صلاح السقا»، وسيظل أوبريت «الليلة الكبيرة» ملهما لمن لديه رؤي واساليب جديدة ومبتكرة يقدم بها الاوبريت علي غير شكله العرائسي التقليدي، لأنه يحتوي علي بناء شعبي راسخ في الوجدان وممارس حتي الآن في الموالد الشعبية التي تقام في كل المحافظات، وفي كل مولد منها سنجد نفس الشخوص التي التقطها صلاح جاهين «الأراجوز - بائع الحمص - التنشين - القهوجي - الزقازيق والمراجيح - دفع الطارة - العمدة - الراقصة - مصارع الاسود في السيرك - المصوراتي - بائع الفشة والكرشة والسمك - المنشد - المطاهر - الفلاحين والصعايدة». باليه «الليلة الكبيرة» ومن الاساليب الجديدة التي شاهدتها في تناول اوبريت «الليلة الكبيرة» التجربة التي قدمها د.عبد المنعم كامل بفرقة باليه اوبرا القاهرة التي قدم بها الاوبريت بشريا وبصياغة باليهية راقصة مبهرة بالازياء والمناظر والحركة والاخراج بعد ان قام جمال سلامة باعادة التوزيع الموسيقي والاستعانة بأصوات جديدة من بينها «احمد ابراهيم وخالد شهدي وسعيد عدنان وامينة سمير وسهام شركس» بالمشاركة مع كورال اطفال الاوبرا، واوركسترا اوبرا القاهرة، والفرقة القومية العربية للموسيقي، وكورال الفرقة القومية العربية للموسيقي، والاستعانة بالفنانة الاستعراضية نادين في اسكتش الراقصة «طار في الهوي شاشي»، عمل شارك فيه اكثر من 600 فنان وفنانة بين عازفين ومغنيين وراقصي باليه، تحررت فيه العرائس من خيوطها لتنطلق في عرض حر مع الحفاظ علي نفس الفكرة القديمة التي تدور حول مظاهر الاحتفال بأحد الموالد الشعبية. عرض مصروف عليه انتاجيا، ومنضبط في كل شيء بما يليق بمكانة دار الاوبرا. الأداء الكاريكاتوري وقد شاهدت مساء الخميس الماضي اوبريت «الليلة الكبيرة» بأسلوب مختلف علي مسرح الهوسابير ضمن مشروع «ليالي اضواء المسرح» لمجموعة من الهواة، اغلبهم يعتلي خشبة المسرح لأول مرة، من ابناء الدفعة الثانية لاستديو النجوم للمواهب الفنية الذي تم تأسيسه علي يد اروي قدورة والمخرج هشام السنباطي، ومن الجدير بالذكر ان الدفعة الاولي من الاستديو قدمت عرض «30 فبراير»، والجديد في هذه التجربة ان مخرجها هشام السنباطي يريد ان يثبت ان فقر الانتاج من الممكن ان يصنع عرضا ممتعا يحمل رؤية جديدة لأوبريت «الليلة الكبيرة»، فقد حرر ايضا عرائس الاوبريت من الخيوط التي تحركها واستبدلها بالعنصر البشري في الاداء الكاريكاتوري، ليس بدافع السخرية من شخوص الاوبريت واحداثه، انما لتقديم وجبة فكاهية ضاحكة تعتمد علي الاداء المبالغ فيه الذي يفجر طاقات كوميدية هائلة داخل مجموعة من الهواة، والجديد في رؤية السنباطي ايضا انه قام بتضفير أوبريت «الليلة الكبيرة»، مع رباعيات صلاح جاهين «مؤلف الاوبريت» التي انتقاها بعناية وكأنها جزء من نسيج الاسكتش الموجود في الاوبريت اصلا، وهي الرباعيات التي سجلها صلاح جاهين بصوته، ولحن بعضها سيد مكاوي وقام بأدائها علي الحجار. رباعيات جاهين قبل ان ينفرج الستار عن الاوبريت تأتينا رباعية «ليه يا حبيبتي ما بينّا دايماً سفر. ده البعد ذنب كبير لا يُغتفر. ليه يا حبيبتي ما بينّا دايما بحور. أعدي بحر ألاقي غيره اتحفر»، ورباعية «بحر الحياة مليان بغرقي الحياة.. صرخت خش الموج في حلقي ملاه.. قارب نجاة.. صرخت قالوا مفيش.. غير بس هو الحب قارب نجاة»، ففي لوحة السيرك علي سبيل المثال يستخدم المخرج علي لسان المهرج رباعية «أنا قلبي كان شخشيخة أصبح جَرس.. جلجلت به صحيوا الخدم والحرس.. أنا المهرج.. قمتوا ليه خفتوا ليه.. لا فْ إيدي سيف ولا تحت مني فرس» ، وعقب اغنية المنشد «يا غزال يا غزال» يستعين برباعية «إنشد يا قلبي غنوتك للجمال. وارقص في صدري من اليمين للشمال. ما هوش بعيد تفضل لبكره سعيد. ده كل يوم فيه الف الف احتمال»، وفي اسكتش «المطاهر» وعقب الغناء ب «يا عريس يا صغير» يستخدم المخرج رباعية «عيني رأت مولود علي كتف أمه. يصرخ تهنن فيه يصرخ تضمه. يصرخ تقول يا بني ما تنطق كلام. ده اللي ما يتكلمش يكتر همه»، وعند مقطع «ليلتكوا انس وفرفشة» يضفرها المخرج برقصة التنورة التي تتوافق في ايقاعاتها مع اللحن وروح الاسكتش، وهكذا فقد قام المخرج بتضفير كل احداث الاوبريت دون حدوث اي خلل أو تنافر بالرباعيات التالية «أنا شاب لكن عمري ألف عام.. وحيد لكن بين ضلوعي زحام.. خايف ولكن خوفي مني أنا.. أخرس ولكن قلبي مليان كلام»، ورباعية «مع إن كل الخلق من أصل طين وكلهم بينزلوا مغمضين بعد الدقايق والشهور والسنين تلاقي ناس أشرار وناس طيبين»، ورباعية «ورد في ورق سلوفان يا حلوة اهديلك.. والا أنقله بالطين في الشتلة واجيلك. الأولاني لو وحالك بحناني. عجبي علي التاني بإيه هيوحيلك ؟»، و«الدنيا صندوق دنيا.. دور بعد دور. الدكة هي.. وهي كل الديكور. يمشي اللي شاف ويسيب لغيره مكان. كان عربجي أو كان امبراطور»، وفي السيرك يستخدم رباعية «بلياتشو قال إيه بس فايدة فنوني.. وتلات وقق مساحيق بيلونوني.. والطبل والزمامير وكتر الجعير. إذا كان جنون زبوني زاد عن جنوني، وفي ختام صراع شجيع السيما مع الاسد يستخدم رباعية «ولدي نصحتك لما صوتي اتنبح. ما تخفش من جني ولا من شبح.. وان هب فيك عفريت قتيل اسأله.. ما دافعش ليه عن نفسه يوم ما اندبح»، ويستخدم في اسكتش المقهي رباعية «اوقات افوق ويحل عني غبايا.. واشعر كأني فهمت كل الخبايا.. وافتح شفايفي عشان أقول الدرر.. ما أقولش غير حبة غزل في الصبايا»، ويُسقط سياسيا في لوحة فقدان الام لابنتها مقطع من شعر جاهين «احنا الوحدة وأمتها.. احنا زُراع كرمتها.. احنا كتاب كلمتها.. احنا الأمة العربية..كلنا روح واحدة.. مابتفْرق شمالية من جنوبية» وكأنه يسقط علي الضرورة الحتمية التي يجب ان تكون عليها الامة العربية الآن لكي لا تتوه مثل توهة البنت الصغيرة في وسط مولد الحياة، ويختتم العرض باختياره لرباعية «دخل الشتا وقفل البيبان ع البيوت.. ونسج شعاع الشمس خيط عنكبوت.. وحاجات كتير بتموت في ليل الشتا.. لكن حاجات أكتر بترفض تموت» للتدليل علي ان المولد حياة ممتدة ومستمرة ولن تموت مظاهره في الوجدان بفعل المتغيرات التكنولوجية، واختم بتوجيه التحية لكل من «مينا أيوب، شريف عبد الفتاح، محمد زيدان، محمود خضير، رينال عويضة، اميرة عادل، هاجر نصر، ميرا سامي، اسلام طارق، احمد مصطفي، محمد سلام، حامد محسن، لؤي ادريس، حسين محمد، احمد الوزير، اميرة، اندرو فوزي، ايمن فخري، فادي كامل، هشام شوكت، وفردوس محمد واسلام طارق في الادارة المسرحية، ومساعد المخرج رنا رأفت، والمخرج المنفذ فهد صالح، ومكياج هالة لوكا»، ومعهم المخرج هشام السنباطي الذي استقطب تلك المواهب لتعبر عن نفسها، بدلا من الجلوس علي المقاهي والكافيهات أو الانغماس مع الاشرار من كارهي الوطن.