وتتتابع المشاهد لتؤكد يوما بعد يوم أن عملية التعليم عندنا قد تحولت إلي مأساة أو فضيحة!! في يوم واحد رأينا هذه الحلقات في مسلسل مأساة التعليم: رأينا الحلقة الأولي المعادة وهي ارسال الاسئلة إلي داخل لجان الامتحان علي الهواتف الحديثة، لتذاع في المواقع الاليكترونية الخاصة بذلك. ولتلقي ثمن الاجابات التي ترسل للهواتف المحمولة داخل اللجان التي يفترض ألا يكون بها هاتف علي الاطلاق!! ورأينا الحلقة الثانية وهي انهيار الطلبة والطالبات ممن لم يشاركوا في عملية الغش القذرة، والذين وجدوا أمامهم امتحانا في التفاضل والتكامل غاية في الصعوبة كما قالوا. ثم رأينا الحلقة الثالثة في نفس اليوم، وهي وحدها فضيحة تقول بالفم المليان إن العملية التعليمية قد انهارت تماما عندنا. ما يقرب من ألفي طالب يحتشدون في مدرجات ملعب للكرة، والمدرس في الملعب ومعه ميكروفون يتحدث إلي هذه الجموع، فيما أسماه بعد ذلك ب«المراجعة الأخيرة» قبل الذهاب للامتحان!! وتكتمل الفضيحة بأن الملعب هو ملعب كلية التربية الرياضية!! وان الرجل قد استأجره بخمسة آلاف جنيه، ليتقاضي في ساعتين أكثر من مائة ألف جنيه. لكن هذا ليس الأهم في الموضوع. بل المشهد الذي يقول إن الجريمة في حق هذا الشباب قد اكتملت، وأن ما نشاهده لا علاقة له بالتعليم من قريب أو بعيد، وأن علي المجتمع كله أن يواجه الحقيقة.. وإلا فإنها الكارثة!! والقضية لا يمكن أن تكون قضية وزير التعليم، وحتي حكومة كاملة، القضية هي قضية مجتمع ودولة، لابد أن يدرك الجميع فيها أن المسئولية مسئولية الجميع، وأنه لا إصلاح إلا ببرنامج كامل وشامل ولا يتغير بتغيير الوزير أو الحكومة، ولا يخضع لابتزاز أصحاب المصالح.. وما أكثره بدءا من الفساد الرابض داخل وزارة التعليم، إلي مافيا الدروس الخصوصية، إلي الأغلبية الفاسدة في التعليم الخاص، إلي الكارثة التي جعلت الجميع يتوافق علي إنهاء دور المدرسة!! وحتي لا ننسي فقد شهدنا في هذا العام الدراسي محاولة خجولة لاعادة الحياة للمدرسة ولإجبار المدرسين علي التواجد في مواعيد العمل واعطاء درجات لحضور الطلبة تؤثر علي المجموع في الثانوية العامة.. فماذا كانت النتيجة؟ تحرك مافيا الدروس الخصوصية وأصحاب السناتر وسمعنا أصوات أولياء أمور يهاجمون النظام المقترح في برامج التليفزيون ونشطت كل جماعات الضغط وفي النهاية تم التراجع وبقي الحالي علي ما هو عليه!! إصلاح التعليم يحتاج لتكلفة مالية عالية ومع ذلك نستطيع أن نبدأ اذا اعدنا ترتيب الاولويات ووضعنا التعليم والصحة والتصنيع في قمة أولوياتنا واذا تذكرنا أن الجانب المالي ليس هو العائق الوحيد بل هناك عملية حشد قوي المجتمع كله من أجل تعليم حقيقي ومدرسة نعيد لها الحياة ومدرس متفرغ يحصل علي الدخل المعقول ومناهج موحدة لابناء المصريين وترك التعليم الذي يعتمد علي التلقين الي تعليم يعتمد علي العقل وينمي الفكر ويفتح أبواب الابداع أمام أبنائنا. تلقينا ونحن صغار أفضل تعليم في ظروف أشد قوة من التي نمر بها، ولكن كانت هناك مدرسة وكان هناك مساواة وكان هناك مدرسون حقيقيون، نظام تعليمي عادل يكافئ المتفوقين ولا ينحاز للاغنياء ولا يتسامح في الغش أو الفساد وكان هناك مجتمع بكامله يحرس القيم التي تحكم التعليم كما تحكم كل شيء في الدولة. طريق الاصلاح واضح، لكنه معركة صعبة سوف تصطدم مع مصالح الكثيرين.. فهل نبدأ المعركة رغم الصعاب؟.