ونحن نحتفل بذكري انتصارنا في حرب أكتوبر المجيدة نعيد فتح ملف كل عام الذي نتحدث فيه عن عدم تقديم عمل فني حتي الآن عن هذا الحدث العظيم الذي غير وجه التاريخ وقلب موازين القوي العسكرية في العالم. والمؤسف في الأمر أن ملف الأعمال الفنية عن أكتوبر لا يتضمن سوي بضعة أفلام قليلة تتحدث عن هذا النصر الهائل لقواتنا المسلحة ولكنها لا تساوي قيمته العسكرية المبهرة التي زلزلت كيان العدو الإسرائيلي في 6 ساعات وعبرت أكبر حاجز مائي في العالم بعد تحطيم خط بارليف الحصين ورفع علم مصر علي الضفة الشرقية للقناة. هذا الحدث المذهل والعبور العظيم جاء علي استحياء في بعض أفلامنا التسجيلية إلي جانب مجموعة من الأفلام العربية التي اجتهد منتجوها لتقديم عمل يجسد تلك الملحمة العسكرية التي صنعها أبطال وقادة وضباط وجنود جيش مصر الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه عقب نكسة يونيو 76 وثأروا لشرف الأمة في أكتوبر 3791 ليؤكدوا للدنيا كلها أنهم خير أجناد الأرض. ومع احترامي لأفلام »الرصاصة لا تزال في جيبي« و»بدور« و»العمر لحظة« و»الوفاء العظيم« و»حتي آخر العمر«.. إلا أن هذه الأعمال مجرد قشور ولا ترقي لمستوي ما تم من معارك علي أرض الواقع فمثلاً لم نقدم فيلماً عن معارك الدبابات علي أرض سيناء ولم نقدم شيئاً عن كيفية اقتحام حصون خط بارليف الرهيب ولم نتحدث عن عمليات القوات الجوية أو البحرية باستثناء »الطريق إلي إيلات« لإنعام محمد علي وعمل آخر للمبدع علي عبدالخالق يوم الكرامة ثم بضعة مسلسلات تليفزيونية أخري تتناول بعض البطولات الفردية.. بينما هناك حكايات أخري تزدحم بها سجلات العسكرية المصرية مثل معارك رأس العش وجزيرة شدوان علي ساحل البحر الأحمر وعمليات سلاح المهندسين وقوات الصاعقة وبطلها جلال هريدي الذي كرمه مؤخراً الرئيس د. محمد مرسي ومنحه رتبة الفريق الفخري في مقر رئاسة الجمهورية. وللتاريخ أاقول ان هناك مؤلفين وكتاباً وسيناريست كبارا قد كتبوا أعمالاً رائعة عن حرب أكتوبر 37 ولكنها لم تر طريقها إلي النور حتي الآن ولعل من أهمها فيلم »الصقر« للأديب والروائي القدير محمد السيد عيد الذي اختار من تاريخنا القديم »الصقر« رمز »حورس« الذي هو رمز للمقاتل المصري في كل العصور ليؤكد من خلاله أن المقاتل المصري المعاصر هو امتداد للمقاتل المصري القديم الذي أحرز بطولات هزت الدنيا. والفيلم يبدأ وينتهي علي جدران معبد فرعوني حيث نري »حورس« ونقرأ من أوراق البردي ما يتفق ورسالة الفيلم الذي يصور نضال شعب السويس قبل وأثناء حرب أكتوبر وما تخللها من أحداث مهمة ويصور في نفس الوقت أبطال منظمة سيناء ونضالهم في هذه الفترة الخالدة في تاريخ الأمة.. ويقف طويلاً أيضاً أمام العبور العظيم ويجسد معاني الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين خلال الحرب وتحرير الأرض وفقاً للعقيدة القتالية لأبناء قواتنا المسلحة التي عاهدوا فيها الشعب علي أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة. ورغم جودة القصة والسيناريو الذي خطفته إذاعة الشرق الأوسط وحولته إلي عمل درامي مسموع عام 7991 وحصول مؤلفه محمد السيد عيد في العام التالي علي جائزة الدولة تقديراً لإبداعه وتميزه في قصة »الصقر« ثم جاء تكليف وزير الإعلام آنذاك بتحويل مسلسل الشرق الأوسط لسيناريو فيلم سينمائي يحمل نفس الاسم ويخرجه نادر جلال وتنتجه صوت القاهرة التي حصلت علي موافقة القوات المسلحة عليه في 42/8/9991 وقيام اثنين من القادة الكبار اللذين شاركا في معارك أكتوبر بالإشراف علي تنفيذه ثم فجأة وكعادتنا في قتل الإبداع لم يتم تصوير العمل بحجة أن »صوت القاهرة« لن تنتج أفلاماً سينمائية. ولم ييأس السيناريست محمد السيد عيد وحول »الصقر« إلي جهاز السينما الذي أشاد بالعمل ولكنه اعتذر عن إنتاجه لانشغاله بفيلم »الضربة الجوية« وانتقل الفيلم إلي قطاع الإنتاج وأشادوا به أيضاً ولكنه في هذه المرة تم حبسه داخل الأدراج ولم يسمح بخروجه بناء علي تعليمات أنس الفقي وزير الإعلام الأسبق الذي كان يحشد كل الإمكانيات المادية والإمكانات الفنية لتمجيد ولي نعمته المخلوع مبارك بإنتاج فيلم »الضربة الجوية« علي أساس أنها كل شيء في حرب أكتوبر المجيدة وهو كذب وافتراء علي حقائق الأمور فقد كانت قواتنا الجوية تعمل وفقاً لمنظومة قتالية تم وضعها من خلال خطة محكمة تنفذها كل فروع قواتنا المسلحة في البر والبحر والجو وسط حماية قوات الدفاع الجوي وحائط الصواريخ المنيع الذي بناه رجالنا البواسل.. إذن لم تكن حرب أكتوبر تنسب لفرد أو سلاح دون بقية الأفرادالآخرين من القادة والضباط والجنود في مختلف الأسلحة والتشكيلات العسكرية الميدانية الذين انخرطوا جميعاً داخل هيكل تنظيمي واحد يؤدي من خلاله كل واحد دوره المحدد له أثناء العبور العظيم. وهكذا تم اغتيال »الصقر« مثلما تم اغتيال عشرات الأعمال الأخري لكتاب كبار داخوا نفس دوخة محمد السيد عيد ولم يستجب لهم أحد حتي أصبحنا الآن علي أبواب الذكري 04 في العام المقبل بمشيئة الله ونحن كالعادة نكرر نفس الكلام في كل مناسبة لهذا النصر العظيم ولا أدري لماذا الإصرار علي التعتيم علي أعظم نصر عسكري حققناه في تاريخنا ولماذا لا نخلده في عدة أعمال فنية علي مستوي فني عال مثلما فعل غيرنا في حروب عالمية أخري غيرت بها وجه التاريخ وهو نفس ما فعلته حرب أكتوبر 3791 في منطقتنا العربية وامتدت آثاره لتشمل العالم كله. إن مصر الجديدة بعد ثورة 52 يناير ينبغي أن تنتابها نوبة صحيان وتعيد تصحيح مسارها الوطني وتسجل للأجيال المقبلة تلك الملحمة العسكرية الرائعة التي أسقطنا فيها وإلي الأبد غطرسة وأكذوبة قوات العدو التي ادعت أنها تمتلك جيوشاً لا تهزم وعصا لا تكسر وسلاحاً لا يقاوم حتي سحقته قواتنا المسلحة الباسلة ولقنته الدرس الذي لم ينس منذ 93 عاماً وحتي يرث الله الأرض ومن عليها.