الرئيس التركي أردوغان يجب أن يبدو دائما في مظهر حكيم الزمان. ولا بأس - بالنسبة لنا- أن يفعل ذلك داخل بلاده، فحسابه هناك مع شعبه الذي يري تآمره لينفرد بالسلطة، وحملته علي كل صوت معارض حتي داخل حزبه، وهجمته علي الصحافة والقضاء، وحروبه الداخلية مع مواطنيه الأكراد وغيرهم. المشكلة- بالنسبة لنا- كانت ومازالت هي التدخل في الشأن العربي، وتوهم امكانية عودة السلطنة واحياء الدولة العثمانية التي قهرت شعوبنا وأوقفت تقدمنا ونشرت التخلف في بلادنا لمئات السنين!! والكارثة أنه - في سبيل ذلك- تحالف مع الإخوان والدواعش، وساهم فيما أصاب سوريا والعراق من دمار، ومازال حتي الآن يتآمر ضد مصر، ولا ينسي أن إطاحة شعبها بحكم الإخوان الفاشي كان ضربة قاضية لآماله في إحياء الخلافة وزعامة المسلمين كما توهم، أو كما أراد له أصحاب مخطط تدمير الوطن العربي أن يتوهم!! قبل أيام عاد الرجل ليتحدث عن العالم العربي. وبدلا من الاعتراف بالأخطاء الكارثية لسياسة تركيا في عهده. وقف يشن حملة علي «الجامعة العربية»، ويحملها مسئولية ما يجري في المنطقة، ويتهمها بأنها تجسد الانقسام والشرذمة والتباعد بين الدول الإسلامية.. داعيا العرب للتخلي عن هذه الجامعة، وأن يكتفوا بالعمل داخل منظمة التعاون الإسلامي، وأن يسيروا علي نهج تركيا التي لا تنشئ «جامعة تركية»!! يحدث ذلك، ونحن نعرف حالة الضعف التي تمر بها الجامعة العربية لكن القضية ليست قضية الجامعة كمنظمة، وإنما قضية «العروبة»، التي كانت وستظل هدفا لمؤامرات الاستعمار القديم والجديد، ولعملائه من الدول غير العربية في المنطقة، وبدءا من إيران وحتي تركيا.. ومرورا بإسرائيل بالطبع!! الصراع طويل. وما يقوله اردوغان اليوم سمعناه مرارا منذ نصف قرن أو أكثر. والتآمر علي أي عمل عربي مشترك أو أي توجه توحيد الصف العربي لم يتوقف. يعرفون جيدا أنه في ظل «العروبة»، لا مكان لحروب الطوائف والمذاهب.. وفي ظل «العروبة» وقف السنة والشيعة، والمسيحيون والدروز والعلويون وغيرهم صفا، واحدا يبنون بلادا عانت طويلا من ويلات الاستعمار العثماني ثم الغربي، ومن تهديدات ايرانوتركيا والكيان الصهيوني لأمنها واستقرارها. اللعبة قديمة ومكشوفة. وبعض الذين شاركوا فيها قديما من الأنظمة العربية تدرك الآن خطأ ما حدث، وتعرف أن «العروبة» هي النجاة من مأساة الحاضر، وهي الطريق لصنع المستقبل. وتؤمن أن محاولة خلق تناقض بين العروبة والإسلام هي محاولة فاشلة بكل تأكيد، يمارسها عملاء مثل أردوغان، ومهاويس مثل الدواعش، وارهابيون يستغلون الدين مثل الإخوان، ومتآمرون كبار لا يطيقون ان يروا علي الخريطة وطنا عربيا يسعي لوحدته، ويسعدون بأن يحولوه إلي جزء في شرق أوسط تقوده الفوضي والإرهاب إلي المزيد من التقسيم والشرذمة. لهذا يتألم أمثال اردوغان من وجود الجامعة العربية رغم كل ما تعانيه من ضعف. الهدف ليس «الجامعة» بل «العروبة» التي اعلنوا - قبل ذلك- وفاتها. فإذا بها رغم كل ما تعانيه تثبت انها الحقيقة الأساسية التي تحكم مصير المنطقة، والتي تحمي مصير من كانوا وسيظلون عربا من المحيط إلي الخليج.