هذا هو الطريق أمام الدولة العريقة والمؤسسات القوية القادرة علي حماية بلدها من كل الشرور لايصح التشكيك في وطنية من يقول إن جزيرتي تيران وصنافير سعوديتان، كما لايصح اتهام من يؤكد ان الجزيرتين مصريتان بالمزايدة والرغبة في هدم الدولة. وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي علي حق عندما أوضح أن رد فعل المصريين تجاه اتفاقية ترسيم الحدود يدل علي غيرتهم علي بلدهم وخوفهم عليها.. مؤكداً ان هذا يسعده ويسعد أي وطني مصري حقيقي. ولا مجال لأدني شك في وطنية الرئاسة ووزارة الخارجية والمخابرات والجيش. غير أن طريقة إدارة مشكلة الجزيرتين لم تضع في اعتبارها الذاكرة الجماعية للمصريين، وان الحدود قضية حساسة لسكان أقدم دولة في التاريخ. ومن هنا وقع الخطأ في إدارة ملف ترسيم الحدود وطريقة الإعلان عن الاتفاقية الذي جاء مباغتاً وصادماً للمصريين، إلي جانب الخطأ في توقيت التوقيع والإعلان عنه الذي تزامن مع زيارة عاهل السعودية. وقد تأكد بوضوح أن الحرص علي عدم خروج الأمور إلي العلن، لأن طرح موضوع الجزيرتين للتداول -كما قيل- سوف يؤذي الرأي العام في البلدين، لم يكن في موضعه، حيث أن ما كانت تخشاه القيادة السياسية في حالة العلنية قد وقع بالفعل عقب الكشف عن توقيع اتفاقية ترسيم الحدود. ولو كان قد تم طرح القضية علي الرأي العام قبل التوقيع لكان الأرجح أن يدور النقاش حولها في أجواء اكثر هدوءاً ورصانة، وخاصة أن وعي المصريين -كما قال الرئيس- يزيد كل يوم مما يخلق مناعة وحصانة، ولم يعودوا في حاجة لتصويب وعيهم. ومن الضروري التفرقة بين انتقادات توجهها شخصيات وأحزاب وطنية من حماة الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة والمناهضين للتطرف الديني والجماعات الإرهابية.. وبين انتقادات عناصر معادية للشعب والوطن والدولة ولاتؤمن أصلابالوطنية المصرية والتراب الوطني. وأهم ما ينبغي ان نستهدفه، في نهاية المطاف، هو دعم التلاحم والتماسك والاصطفاف الوطني حتي يمكن التحرر من أجواء «الإحباط وفقدان الثقة وطمس الحقيقة وتزييف الواقع وتعظيم النقد لكل شئ.. والانتحار القومي». فالمسألة أكبر من مجرد وثائق ورسائل وخرائط يشهرها البعض في وجوهنا، وأخري مضادة دفاعا عن وجهة النظر المقابلة. ومثل هذا الجدل والسجال قد يستمر لوقت طويل، بينما أوضاع مصر والمنطقة لاتحتمل ذلك كله. وهناك ضرورة عاجلة للتوصل إلي ما يشبه الاجماع الوطني والحسم النهائي حول قضية الجزيرتين حتي لو تطلب الأمر تشكيل لجنة قومية من مجموعة منتقاة من الخبراء من جميع الاتجاهات لعرض نتائج دراساتهم علي الشعب خلال فترة زمنية محددة.. وحتي لو تطلب الأمر اجراء استفتاء شعبي حول مستقبل الجزيرتين، وهذا حق يملكه رئيس الجمهورية وفقا للدستور. فالمطلوب الآن أن يتعزز الدور القيادي لمصر في المنطقة العربية وقطع الطريق أمام مجرد احتمال بعيد جدا هو ظهور شبح الانتحار القومي. كلمة السر : الاجماع الوطني