ازاي ح نمشي عِدِل، والسكة معووجة (من أغنية ختام مسلسل «شرف فتح الباب»)
لأول مرة أدعي لحضور لقاء الرئيس السيسي بالمثقفين، واضطريت اعتذر لأني كنت خارج البلاد، ولما رجعت تابعت – علي أد ما قدرت – اللي اتنشر في الصحف وعلي شاشات التليفزيونات وصفحات التواصل الاجتماعي، ولاحظت – ببعض الأسي – إن معظم الحاضرين من المثقفين بتتراوح أعمارهم بين الستين والتمانين، مع غياب شبه تام لشباب المثقفين، ولاحظت كمان ان كتير من الحاضرين من «المثقفين الدولتيين»، يعني من اللي بيتمتعوا برضا الدولة عنهم، لأنهم بيشوفوا ان الدولة لها الأولوية علي الناس والمجتمع، ومش مدركين ان المجتمع الحر المتماسك هو اللي بيبني الدولة القوية، اللي بتدير شئون الناس والمجتمع بالعقل، اللي بتحريره ينفتح طريق التقدم الإنساني، وبالعدل اللي هوه أساس الملك، وركيزة السلم الأهلي اللي بيدي للدولة مشروعيتها، وازداد أسايا لما قريت اللي كتبه الدكتور محمد المخزنجي عن اللقاء، والمخزنجي مثقف ومبدع كبير ومن أصحاب الضمير الوطني والإنساني، واللي كتبه وجع لي قلبي علي أحوال الثقافة والمثقفين في بر مصر المحروسة، وبعد كده قابلت صديق مثقف وطني أثق في حسن تقديره للأمور، وحضر اللقاء، وحكي لي مزيدا من التفاصيل، ومن اللي فهمته منه، ان الريس فتح قلبه للمثقفين، وكلمهم بشفافية عن المصاعب والمخاطر وحقول الألغام المزروعة في طريقنا، واللي بتهدد كياننا كدولة، ووجودنا كناس ومجتمع، وقال لي صديقي انه حس ان الريس حاسس انه موحود، ومحتاج لناس جنبه تنور له طريقه، وتسانده وتحمي ضهره، وهو بيواجه فساد الماضي، ومخاطر الحاضر، وتشق وياه طريق المستقبل. والحقيقة اللي لازم كلنا نفهمها، اننا ف قلب معركة حياه أو موت، معركة بين قوي الثورة اللي بتحلم بالمستقبل، وبين قوي الثورة المضادة اللي بتحاول ترجعنا للماضي، لأيام نظام التبعية والفساد والاستبداد، وان فتحنا عينينا وبصينا جوانا وحوالينا، ح نشوف اننا قمنا بموجة ثورية ما شافتش الدنيا زيها في 25 يناير، لكن قوي الثورة المضادة قدرت تلتف ع الثورة وتسرق أحلامنا، وتسلمنا لحكم الاخوان وفاشيتهم الدينية، ولما قمنا بالموجة الثورية التانية في 30 يونيو، واللي ما شافتش الدنيا زيها برضه، رجعت قوي الثورة المضادة تحاول تلتف علي الثورة وتسرق أحلامنا وتعيد إنتاج نظام التبعية والفساد والاستبداد، وان حسبناها صح ح نشوف اننا طلعنا من الموجتين الثوريتين في 25 يناير و30 يونيو، بمكسبين أساسيين، همه اللي نقدر نبني عليهم في المستقبل، المكسب الأولاني هو جيل جديد من الشباب الحر اللي بيرفض أي وصاية علي عقله وفكره، وحواليه شعب ابتدا يهتم ويناقش ويعرف ان البلد بلده وله فيها حقوق، والمكسب التاني هو أول دستور توافق عليه الشعب بأغلبية كاسحة، بيرسم طريقنا لبناء دولة الثورة، وبعد ما كانت دساتيرنا زمان بتصدر بناء علي إرادة حاكم أو طبقة حاكمة، اللي صاغ دستورنا الجديد لجنة بتمثل كل أطياف المجتمع المصري، شباب ونساء، وعمال ورجال أعمال، وفلاحين وملاك أراضي، وشيوخ أزهر وقساوسة كنيسة، وشرطة وقضاء وقوات مسلحة. وقوي الثورة المضادة، اللي بتحاول تسرق أحلامنا تاني عارفة ان دول المكسبين الأساسيين اللي طلعنا بهم من الموجتين الثوريتين، وعشان كده بتوجه الضربات في اتجاههم، عايزين الشباب ييأس وينصرف عن حلم الثورة والتغيير، وعايزين يقطعوا الطريق علي تنفيذ الدستور اللي بيصون الحقوق، وبيحمي الحريات، وبيرسم معالم دولة الثورة اللي بنحلم بيها. والسلاح الأساسي في ايدين قوي الثورة المضادة هو سلاح الإرهاب، اللي استخدمه الاستعمار العالمي وحلفاؤه في المنطقة في مشروع الشرق الأوسط الجديد، والمشروع ده اليومين دول بيتراجع، والإرهاب بينحسر كل يوم في العراق وف سوريا، ومن المتوقع انه يتجمع علي حدودنا مع ليبيا ويهدد جبهتنا الغربية، يعني معركتنا معاه ح تشتد وتحمي وحتبقي هي أم المعارك في الأيام الجايه. وعشان ننتصر في معركتنا مع الإرهاب لازم نحدد بشكل دقيق مين حلفاءنا ومين اعداءنا، في الداخل والخارج، ونخوض المعركة بجيش وطني قوي علي جبهة القتال، ووراه جبهة داخلية متماسكة وقوية، مفيهاش مكان لطابور خامس ولا بيئة حاضنة للإرهاب، وهوه ده الليح يقضي ع الإرهاب ويجفف موارده من المنبع. والطابور الخامس اللي ما زال بينا هو الفكر المتسلف التكفيري التفجيري، اللي لازم نواجهه بفكر تنويري يحرر العقول من الخرافات اللي لسه معششة جواها، يعني يا جدعان، موضوع الثقافة ده أمن قومي، مش طق حنك وطرقعة لسان، وللحديث بقية في مرات جاية. روما.. ومعرضين أرجو من اخواننا أهل الفنون التشكيلية، انهم ما ياخدوش علي خاطرهم مني لاني ح ادخل دلوقت – بإذن الله – قدس أقداسهم، بدون ما آخد اذنهم، لأني زي ما انا مؤمن بوحدة الإنسانية، مؤمن – كمان – بوحدة الفنون، وعارف – وانتو عارفين – ان المبدعين ما بيقدموش ابداعاتهم لاولاد كارهم وبس، انما للإنسانية كلها، وانا من صغر سني عاشق لكافة فنون الإنسانية وآدابها، وكان نفسي أكون موسيقي أو فنان تشكيلي، بس النصيب رماني علي الشعر وفنونه. وانا الاسبوع اللي فات كلمتكم عن رحلتي الأخيرة لروما، وقلت لكم ان فيها جنب الكنائس والمتاحف، معارض فنية، وان كان فيه معرضين مهمين، ما كانش ممكن ما اشوفهمش، الأول عن هنري تولوز لوتريك وبيحتوي علي مجموعة من لوحاته بالقلم الرصاص أو بالطباعة الليتوجراف، ولوتريك فنان فرنسي امتد عطاؤه الفني من أواخر القرن التسعتاشر لأوائل القرن العشرين ودي الفترة اللي شافت صعود موجات ال Artnoveau، وال Art-deco، والتأثيرية Impressionism، وكانت لوحات المعرض كلها بتدور حول موضوعات عن الخيول والجوكية، اوعن المسرح والمسرحيات وفناني المسرح وفناناته زي سارة برنارد أو المخرج أنطوان اللي نقل مفهوم الديكور المسرحي من المحاكاه والخلفيات المرسومة بدقة كلاسيكية (الفوندي) إلي التلخيص الرمزي والمنصات متفاوتة الارتفاعات (براتيكابلات)، وكلها لوحات بتموج بالحركة والحيوية، وده ممكن يكون تعويض وتنفيس عن العرج اللي كان بيعاني منه، وبعض اللوحات كانت لأفيشات وأغلفة مجلات أو لافتات كاباريهات أو مينوهات مطاعم أبدعها لوتريك بقدرة مبهرة علي التلخيص الدال في الخطوط والألوان. آلام السيد المسيح والمعرض التاني اللي انا عايز أقف معاكو شوية أكتر عنده، كان بمناسبة اسبوع الآلام اللي كانوا اخواننا المسيحيين الغربيين بيعيشوه الأسبوع اللي فات، وكان عنوانه «آلام السيد المسيح»، وبيحوي عشرات اللوحات بين الصغيرة والمتوسطة، اللي بيصور فيها الفنان مسيرة السيد المسيح عن طريق الجلجثة وهوه شايل صليبه ولحد صلبه وقيامته. وفرناندو بوتيرو مصور ونحات كولمبي من زماننا، مش معروف كتير عندنا من عشاق الفن التشكيلي، ويمكن من بعض الفنانين التشكيليين، اتولد في 12 ابريل 1932 لأب بياع متجول علي حصان في جبال الانديز، وأم خياطة، ابوه مات وهو عمره اربع سنوات، ودخل مدرسة جيزويت وسنه اتناشر سنة، ومنها لمدرسة بتعلم مصارعة الثيران، وف سن خمستاشر وقع علي كتاب عن الفن الحديث، وابتدا يرسم باستلهام فنون التصوير الشعبية الكولومبية، مع بعض التأثرات بالفنان المكسيكي الشهير دييجو ريڤيرا، وشارك في أول معرض سنة 1948، وبعدين عمل معرض خاص سنة 1950 واشتغل شوية رسام صحفي، وبعدها راح لاسبانيا ودرس التصوير في مدريد، وأثناء دراسته كان بياكل عيش من نسخ لوحات جويا وڤيلاسكيز في متحف البرادو، وبعدها اتنقل في بلاد الله من باريس لفلورنسا لنيويورك، وبقي نجم لامع في مجال التصوير وسنه 28 سنة، واتحدد أسلوبه الخاص في التدوير والتضخيم من خلال لوحات عارية كوميدية ولوحات بتعكس نوع من السخرية السياسية، ورجع باريس سنة 1973 وابتدا ينحت بنفس المنطق ونفس الأسلوب. وانا سعدني زماني واتعرفت علي بعض أعماله الرائعة في النحت وفي التصوير، لما كنت باشارك في مهرجان الشعر العالمي في ميديين سنة 2006، وميديين دي مسقط رأس بوتيرو وبلد امبراطور المخدرات الشهير پابلو اسكوبار، ولما سقط اسكوبار وانهارت امبراطوريته، فكر المثقفين في ميديين في تنضيف سمعة مدينتهم، وقرروا يقيموا مهرجان للشعر العالمي فيها، وأول دورة للمهرجان استلفوا من البنوك مليون دولار، ولما شاركت في المهرجان كانت ارباح المهرجان أكتر من عشرين مليون دولار في السنة، وخلال المهرجان خدونا لميدان فخيم، بيتصدره مبني البلدية ومبني المتحف الوطني، وبتتناثر في كل ناحية فيه منحوتات بوتيرو، وفي المتحف الوطني كتير من لوحاته، وقالوا لنا ان بوتيرو اتبرع بأعماله الفنية دي اللي بلغت قيمتها 200 مليون دولار للمدينة. والمعرض اللي شفته ف باريس، زي ما قلت لكم من شوية كله لوحات زيتية لمشاهد متنوعة ومتعاقبة لرحلة آلام السيد المسيح، واكتر حاجة تلفت النظر وتثير الدهشة في اللوحات دي، بعد أسلوبه الخاص في التدوير والتضخيم، هي رؤيته الخاصة لاستمرار معاناة السيد المسيح في زماننا، في كل اللوحات كل الشخصيات اتحددت وشوشها وأجسامها بخطوط رقيقة وقوية، بتظهر ضخامتها واستدارتها، وبيلعب اللون دوره في إظهار التفاصيل والقسمات والتعبيرات، وبالرغم ان المسيح في اللوحات ضخم ومستدير زي بقية الشخصيات، إلا ان اختلاف الألوانبيلعب دوره في الفصل بينه وبين بقية الشخصيات، وشه بيشع بنور سماوي خفي، بينما بيؤكد اللون عند بقية الشخصيات أرضيتها أو قسوتها أو لامبالاتها، وفي لوحته عن بيلاطس البنطي وهو بيغسل ايديه من دم المسيح، وبيقول لليهود «دمه عليكم وعلي أولادكم»، اللون بيشف ويخف وكأنه صك البراءة لبيلاطس، ويمكن أهم عناصر رؤية بوتيرو الخاصة اللي بتقول ان آلام السيد المسيح ما زالت مستمرة في زماننا، بتبان لنا في بعض خلفيات اللوحات، في ناطحات سحاب أو منازل عصرية لها شرفات فيها ستات زي اللي بتشوفهم في الحواري في كل بلدان العالم، أو ح تلاقي أزياء الشخصيات اللي حوالين المسيح في اللوحة مختلطة بين العصري والتاريخي، يعني ح تشوف زي الجندي الروماني وحواليه ناس ببدل عصرية، أو برانيط، أو زي جنود الفاشيست الطليان أو الألمان أو في أمريكا اللاتينية. وطلعت من المعرض وانا باقول في عقل بالي : صحيح.. المسيح لسه بيتصلب قدامنا كل يوم، ومهد السيد المسيح وقع في ايدين أعدائه، وباغني في سري مقطع من غنوة كتبتها زمان : بين قبة الصخرة وكنيسة القيامة في بيوت فاتوها أهلها للريح شفت البيبان بتئن زي اليتامي وتقول لقلبي بدمع عربي فصيح أنا القدس القديسة أنا جامع ضم كنيسة ليه أهلي يتركوني لليل والقهر فريسة أوراق قديمة ودي واحدة من القصايد اللي ألقيتها في يوم الشعر العالمي في روما، ودي من مجموعة شعرية اسمها «أصوات»، استلهمت كل قصايدها من الموسيقي والآلات الموسيقية والأصوات الغنائية وقدمتها في الإذاعة في برنامج بعنوان «اوركسترا» من اخراج عصام لطفي في أوائل تمانينيات القرن اللي فات: كمان منفرد (1) مين يمسك الهوا.. الهوا حصان بيجري من غير صوت يفتَّح البيبان وزهرة السكوت تتنفس البيوت وينفدوا الخلان من الحيطان وتتملي الاحضان أمان وتتملي القلوب وفا.. وتتملي العيون بريق (2) عشنا سوي.. نتقاسم البسمة.. ونتقاسم نسايم الهوا كان حبنا خارج دواير الزمان ورده مغطيها الندي ضمينا بعض ف وقت ماالكون انفجر وف قلعة حاصرها العدا شربنا طعم الجنه والنار.. .. في رفيف أوتار كمنجات الغجر (3) غمض عينك وارمي علي العالم سلام نحس بالعالم بيتولد قدامنا من جديد صدر الشجر مليان رمان وتين وتوت وبرتقال (4) حمامه بيضا طايره في الفضا الكبير عصفور بيتعلم يطير لسه بيفرد الجناح ريش الجناح حرير نسمة صباح شراع أبيض وحيد أنا وتر كمنجه بارتعش حياه باشهق شهيق مولود وباحضن الوجود الفجر جايّ بعْد ألف ليله سود عينيا بتغمض تشوف.. طيوف.. طيوف.. .. وفوق لساني تتولد صلاه الكون بيتسع.. وانا بادور.. علي نغم مسحور فيه من صفا السما.. .. ونبضة الأرض.. وعواصف البحور