عبدالناصر يرأس اجتماعا لمجلس قيادة الثورة اتسم النظام الملكي في مصر بالاستبداد وعدم احترام قواعد الحياة الدستورية، فقام الملك بمخالفة الدستور، وتعطيله، وإقالة الحكومات، وحل البرلمان. وكان من الأمور العادية أن تزيف الانتخابات أو أن يتعرض المواطنون لسائر الضغوط النفسية والمعنوية، ففي خلال عهد الملك فؤاد (2291 6391) عطل الدستور ثلاث مرات، وفي أول سبع سنوات بعد اصدار الدستور عاشت مصر بلا دستور فترة أطول من تلك التي نفذت فيها أحكامه، وفي عام 0391 أوقف الملك العمل بالدستور وأصدر دستورا آخر يدعم من سلطاته ازاء البرلمان. كان حزب الوفد هو حزب الأغلبية الشعبية الساحقة طوال هذه الفترة فإنه لم يتول السلطة بمفرده إلا مدة تقل عن ثلاث سنوات وطرد من السلطة أكثر من مرة. وطوال هذه الفترة لم يكمل أي برلمان مصري مدته الدستورية ما عدا برلمان (5491 9491)، ولم يحدث ان استقالت وزارة لأنها لم تحصل علي ثقة البرلمان أو نتيجة سحب الثقة بها. فشل الملك فاروق (6391 2591) في أن يعطي قيادته طابعا وطنيا وبالذات في الفترة الأخيرة من حكمه، وأدت سيادته وسلوكه الخاص واصراره علي الحكم غير الدستوري إلي اغتراب قطاعات واسعة من الشعب عنه، وعطلت العديد من أحكام الدستور نتيجة اعلان الأحكام العرفية بسبب حرب فلسطين. ويمكن القول ان نقطة التحول الرئيسية التي حدثت عام 8491 بهزيمة الجيوش العسكرية في فلسطين، فقد أدي ذلك إلي اثارة ثائرة عدد من ضباط الجيش نتيجة احساسهم ان الجيش قد زج به في معركة لم يستعد لها ولم تقدر القيادة عواقبها كاملة، وربط هؤلاء الضباط بين الهزيمة من ناحية والفساد السياسي في الداخل والذي اعتبروه السبب الأصيل للهزيمة من ناحية أخري، ومع ذلك يصبح من الخطأ تفسير ما حدث عام 2591 بارجاعه فقط إلي هزيمة 8491 ولكن ينبغي ادخال عناصر اجتماعية وسياسية أخري في التحليل منها: شهدت المدن وخاصة القاهرة في فترة ما بين الحربين ازدياد الهجرة الداخلية من الريف إلي المدن دون أن تكون المدن قادرة علي استيعابهم وتوفير خدمات الإقامة والتعليم وفرص العمل لهم، وأصبح هؤلاء مادة جاهزة للحركات الثورية أو لأي تمرد. اهتزاز التوازن التقليدي للمجتمع الذي قام علي سيادة طبقة كبار الملاك. في نهاية الأربعينيات ازداد عدد الاضرابات العمالية، وبرزت الطبقة العمالية كجماعة تتميز بقدرة تنظيمية عالية وبالاحساس بالاغتراب السياسي. وازاء ذلك، عجزت الطبقة الحاكمة عن فهم ما يحدث وادراك آثاره علي النظام الاجتماعي بأسره، وعن تطوير سياسات تستجيب وتتلاءم مع الظروف الجديدة. نشأت طبقة وسطي جديدة طالبت بقدر أكبر من المشاركة السياسية والعائد الاقتصادي، شملت هذه الطبقة خريجي الجامعات والمثقفين والمهنيين، وقدمت القيادة الفكرية للتغيير الاجتماعي والسياسي المنشود. وعبر تدخل الجيش عن آمال هذه الطبقة الوسطي الجديدة ضد النظام القائم الذي حال دون تطورها. شعر المصريون خلال هذه الفترة بقدر كبير من المهانة نتيجة رفض انجلترا منح مصر الاستقلال الحقيقي، وهزيمة الجيش المصري في فلسطين وان القيادة السياسية قد تحالفت مع الانجليز. وهجرت الشعب مما ولد شعوراً عميقاً لدي النخبة المثقفة بالتمزق وعدم الاتفاق علي مفهوم موحد للهوية ولامكانية التغيير. وأدت هذه التطورات إلي ازدياد الاغتراب السياسي، ونشوب الاضرابات والمظاهرات المستمرة ونمو منظمات تتحدي اطار الشرعية القائم كالإخوان المسلمين، والحزب الاشتراكي، والحركات الشيوعية، وهيئة الضباط الأحرار. لقد شهدت هذه الفترة نموا للمنظمات التي استخدمت أساليب العنف والاغتيال وكونت منظمات شبه عسكرية كأداة للعمل السياسي، ولأول مرة ازدادت الدعوة إلي الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي بين قطاعات متزايدة من المواطنين، ونتيجة لعجز النخبة الحاكمة عن تجاوز الاطار الذي كانت تتحرك فيه وعن احداث التغيير، ورفض الانجليز الانسحاب من مصر برزت فكرة ان الحل الوحيد هو الثورة. وتتابعت الأحداث بسرعة، ففي عام 0591 وقع 94 اضرابا عماليا، وزاد العدد إلي 002 في عام 1591، وفي نفس العام حدثت بعض الانتفاضات من قبل الفلاحين، وتعددت حالات مصادرة الصحف، واستخدام الاجراءات البوليسية في مواجهة العناصر الداعية للتغيير في المجتمع. ولكن هذه الاجراءات كانت عاجزة عن التصدي الجدي للأفكار، وتشاتم الوزراء علي صفحات الجرائد، وانتشرت قصص فساد الأسرة المالكة والحاشية. وبعد إلغاء المعاهدة في أكتوبر 1591، تصاعدت عمليات الكفاح الشعبي ضد الإنجليز، وفي 11 سبتمبر اتخذت الحكومة مجموعة من القرارات بتوقيع العقوبات ضد المتعاونين مع الاحتلال، وبإباحة حمل السلاح لكي يتمكن الشعب من الدفاع عن نفسه، وفي 41 نوفمبر قامت مظاهرة كبري بمناسبة ذكري شهداء ثورة 9191. وفي يناير 2591، حدثت أزمة نادي الضباط وسقط مرشحي الملك في انتخابات مجلس الإدارة، وفي فجر 52 يناير 2591م حدثت مذبحة الاسماعيلية وشنت القوات البريطانية هجوما علي مبني محافظة الاسماعيلية، أسفر عن مصر 64 من رجال الشرطة المصريين وأصيب 27 شخصا. في اليوم التالي تظاهر المصريون الغاضبون بإضرام النيران في المؤسسات والمصالح الأجنبية ومات يومها 05 مصريا و9 أجانب، وفي اليوم التالي حرقت القاهرة، ونزل الجيش إلي الشوارع، وأقيلت حكومة الوفد وبدأت سلسلة من وزارات القصر. وليس من قبيل المبالغة القول بأنه عندما حرق وسط القاهرة في 62 يناير 2591، فقد سقط معه النظام السياسي والاجتماعي القائم والطبقة الحاكمة التي كانت تعبر عنه. وهكذا توفرت في مصر كل شروط «الموقف الثوري» عدا التنظيم القادر علي تفجير الموقف. وسادت مصر حالة من عدم الاستقرار مما أدي إلي ان غير الحكم الملكي في مصر الحكومات بصورة متعاقبة سريعة خلال فترة قصيرة. في فجر 32 يوليو 2591 قامت مجموعة يطلق عليها اسم تنظيم الضباط الأحرار وبرز اللواء محمد نجيب كزعيم للضباط الشبان أو انهم اختاروه كزعيم ليقود البلاد. وسمع المصريون البيان الأول للحركة يلقيه محمد أنور السادات باسم القائد العام للقوات المسلحة يفسر فكرهم عن سبب الانقلاب للشعب. في نفس اليوم حاول الملك فاروق، أن يستدعي تدخل السفارة الأمريكية ولكن دون جدوي .. وفي 52 يوليو 2591م وصلت قوات الجيش المصري إلي الاسكندرية حيث كان الملك فاروق في قصره. وفي اليوم التالي أرغم علي التنازل عن العرش لابنه أحمد فؤاد، وسمح له بمغادرة البلاد دون أذي، وأبحر يخته متوجها إلي ايطاليا ولم يمنعه الجيش من أخذ كل ما يحتاجه حيث عاش هناك حتي مات. وتم تكليف علي ماهر برئاسة الوزارة، وتم تشكيل مجلس وصاية علي الملك الصغير.