ولعل كل حرف يكتبه تلاميذه يفيد الوطن والقراء تعود فائدته بالرحمة علي استاذنا العظيم عوض الصحافة عنه خيرا يل اثنين من العظماء عبء علي اي قلم خصوصا ان كليهما لعبا ادوارا بطولية في الحياة السياسية والصحفية في المنطقة، هما رجل السياسة د. بطرس غالي ورجل الصحافة الأستاذ هيكل. لقد فقدت مصر د. بطرس غالي الذي رفع رأس مصر عاليا حول العالم حينما اعتلي كرسي الأمين العام للأمم المتحدة ذلك المنصب «المكين والمكانة» والذي لا يمكن اختيار من يعتليه الا ان يكون حائزا علي صفات شديدة المقدرة بشكل غير عادي سياسيا وانسانيا وذكاء يجعله شديد المقدرة علي تلافي منعطفات بين الدول لا تحسب عليه وحده بل تحسب علي مصر وعلي العالم وهو في هذا الموقع استطاع ان يعبر بالعالم مآزق كثيرة فقد اعتلي هذا المنصب متدرجا من مكانه وزيرا لخارجية مصر في عهد الرئيس انور السادات والذي رافقه في عام 1977 إلي القدس تلك الرحلة التي «لوت عنق العالم» عند التغيير الجذري الذي حدث في الحياة السياسية ليس في الشرق الاوسط فقط بل العالم وفي عام 1979 وقف ابن مصر العظيم بطرس غالي في مواجهة موشيه ديان المفاوض الرئيسي في اتفاقية السلام العربية الإسرائيلية في اوسلو والتي كان للدكتور بطرس غالي اكبر الاثر في تنمية كثير من بنودها. وهناك خلفية شديدة الدراية والمقدرة للراحل العظيم الدكتور بطرس غالي هذه الخلفية هي اسرته التي امتازت بتعاطي السياسة والعمل العام وقد خدموا الدولة سواء سياسيين أو مثقفين وكتابا وجده لوالدته هو القاضي ميخائيل شاروبيم والذي اعتنق السياسة والكتابة وترك للاجيال خمسة مجلدات عظيمة في تاريخ مصر أما جده لوالده غالي ناروز فقد كان هو المؤسس لثروة الاسرة حيث كان مديرا لممتلكات شقيق الخديو توفيق ولذلك ادخله والده بطرس مدرسة الامراء فارتبط بصداقات مع الذين اصبحوا حكاما لمصر وتولي جده غالي ناروز منصب وكيل وزارة العدل ودرس القانون الفرنسي وتولي وزارة المالية وعمره 31 عاما وبعد 17 عاما كان وزيرا للخارجية وهو الذي وقع علي اتفاق السودان عام 1899 هذه خلفية سياسية مهمة للسياسي العظيم بطرس بطرس غالي والذي لم يكن قد ولد حينما حكمت بريطانيا علي عمه واصف من خلال محكمة عسكرية بالاعدام، اذن العمل والكفاح السياسي والاحساس بآلام الوطن بدأ عائليا منذ حوالي مائة عام في الأسرة. ووصل الدكتور بطرس بطرس غالي لمنصبه العالي الأمين العام للأمم المتحدة ليواصل مسيرة الاسرة بالعلو والخروج إلي السياسة العالمية. وهكذا فقدنا رجلا ليس سياسيا فقط ولكنه ضلعا عاما من اضلاع الكفاح السياسي لهذا الوطن، ان الدكتور بطرس بطرس غالي من قبط مصر العظام الذين عاشوا وجاء رحيله بعد ان اوفي لمصر اكبر ضريبة يوفيها مصري وهي تواجده بهذه الصورة ممثلا لنا خارج العالم معيدا مجد الفراعنة. أما دموع صاحبة الجلالة فلن تجف فقد فقدنا استاذا عظيما هو في الاصل من ابناء اخبار اليوم واختطفه جمال عبدالناصر كمن اختطف رجلا يحيي الموتي ليضعه في الأهرام وكان الأهرام وقتها جريدة لا نقرأ فيها سوي صفحة الوفيات ودخلها الاستاذ بعقله وتجربته الرائعة في أخبار اليوم ورئاسته لآخر ساعة وكأنما ضرب البحار بمجداف كهربائي وتغير الاهرام من صحيفة تقرأ من الصفحة الأخيرة من أجل الوفيات إلي جريدة تقرأ من الاولي للاخيرة وكل صفحة فيها فن صحفي وفيها اساتذة فقد أخذ معه أكثر من ملاح للصحيفة الجديدة اخذ معه الاستاذ صلاح هلال رحمه الله والاستاذ صلاح جلال وانتقلت بكل فنها في الرسم والكتابة الرائعة سناء البيسي تلك التي حولت الكتابة إلي رسم بالكلمات والرسم إلي حروف مرسومة. وتغير الاهرام بعد الاستاذ وحاول ان يسحب السجادة من تحت الأخبار وأخبار اليوم وآخر ساعة ولكنه لم يستطع فقد تآخي معهم في سباق اخوي رائع.. لقد استطاع الاستاذ هيكل ان يخلق من التنافس مدرسة صحفية كل الذين يعملون فيها يتنافسون حتي مع انفسهم.. رحم الله الاستاذ الصحفي حتي النخاع والذي بدأت قراءاتي له عندما كان مراسلا حربيا في حرب فلسطين وتعلمنا منه ان الصحافة يمكن ان تتحول إلي مدفع في الحرب وغصن زيتون في السلام.. الرحمة الواسعة للاستاذ .