أخيرا انتهت حالة المخاض المتعثر التي شهدها ميلاد أول حكومة في الجمهورية الثانية، ذلك التعثر الذي أضفي بظلالها علي مشروع المائة يوم، وعلي الوعود التي قطعها د. مرسي علي نفسه خلال الانتخابات الرئاسية حول الأمن والنظافة ورغيف العيش! وجاء تكليف د. هشام قنديل بتشكيل الحكومة، ليضع حدا فاصلا لسلسلة من الترشيحات والتخمينات ظلت تتردد طوال شهر كامل، لكنه طرح في ذات الوقت ردود فعل متباينة في الشارع المصري، ففي الوقت الذي يحسبه البعض علي السلفيين، يشير البعض الآخر انه كان أحد رجال لجنة السياسات في عهد مبارك، وفي حين يعتقد فريق من المحللين ان الخلفية العلمية لرئيس الحكومة وخبراته السياسية لا تتناسب مع المرحلة التي تمر بها مصر والوضع الاقتصادي المتدهور، يري فريق آخر ان د. هشام وزير الموارد المائية والري لديه خلفية اقتصادية اكتسبها خلال عمله ببنك التنمية الافريقي، فليس بالضرورة ان يكون رئيس الوزراء رجل اقتصاد لكي ينفذ البرنامج الاقتصادي الذي إلتزم به الرئيس امام الناخبين. وإذا كان المتفائلون يعتقدون ان اختيار د. مرسي يعكس إيمانه بدور الشباب وقدرته علي العطاء وإدارة دفة الوطن في المرحلة القادمة، فهناك من يري ان الانتماءات السياسية والخلفية الدينية هي التي أتت بالرجال الي هذا الموقع، لكي يسمح لقيادات جماعة الاخوان بتطبيق رؤيتهم واختياراتهم!! أما الامر الذي كان عليه شبه إجماع فهو أن د. قنديل وزير الري والموارد المائية رجل متدين وعلي خلق ويتمتع بشخصية قوية صارمة وبكفاءة وخبرة علمية، وإن كانت خبرته مائية وليست مالية!! وبعيدا عن هذه الآراء أو تلك فإنني علي المستوي الشخصي أشعر بسعادة غامرة لهذا الاختيار الذي يعيد لمصر شبابها، بعد ان ضربت الشيخوخة في أوصالها، ويعيد للشباب حقهم في صنع المستقبل، فليس من الإنصاف ان يحكم مصر في الجمهورية الاولي شاب في الثلاثينات من عمره، وبعد اكثر من ستين عاما نعتبر ان رجلا في الخمسينات من عمره مازال يفتقد الخبرة التي تؤله لمنصب رئيس الحكومة!! لكن حماسي بعطاء الشباب لا يمنع تخوفاتي وتحفظاتي بعد اللقاءات والتصريحات التي تابعتها علي مدي الأيام الماضية، فأغلب اختيارات د. قنديل حتي الآن تميل للشخصيات التي لها انتماءات إخوانية، وهنا أحيي د. عاطف رضوان عميد كلية طب الزقازيق ونقيب أطباء الشرقية، علي اعتذاره عن قبول تولي حقيبة وزارة الصحة، مشيرا الي انه أقل من أن يكون وزيرا، لأن مصر تحتاج الآن لكفاءات متميزة وخبرة بالعمل والاحتكاك الخارجي. وهذا ما يجعلني أيضا أتساءل عن أسباب ترشيح أستاذ جراحة عظام بجامعة الزقازيق لوزارة التعليم العالي! لانه كان مسئول عن ملف التعليم في الحملة الرئاسية للدكتور مرسي؟!! أما ما أخشاه حقا ان يكون الفريق الرئاسي الكبير الذي يضم نوابا والعديد من المستشارين ويجري تشكيله الآن من تشكيل الحكومة، هو في الحقيقة حكومة موازية أو (حكومة ظل) لحكومة د. قنديل، وأن يكون لها من النفوذ والسلطة والتأثير ما يغل يد الحكومة الشرعية!! عموما فالوقت مازال مبكرا للحكم علي التجربة، وعلينا جميعا ان نمنح الرئيس الفرصة ثم يبدأ التقييم والحساب، سواء علي خطته ومشروعه النهضوي أو علي الأشخاص الذين اختارهم لتنفيذ هذه المهمة الصعبة!