مرضى الأقاليم ليس لهم مكان سوى أرصفه الكورنيش السرطان أصاب كبد رانيا ومخ رضيعها وقلب جدو فؤاد حزين علي حفيده في الرابع من فبراير من كل عام تحتفل جميع الدول باليوم العالمي لمكافحة السرطان والذي تسعي فيه كل المجتمعات لنشر الوعي الصحي بين البشر والتعريف بسبل الوقاية واحدث اساليب علاج السرطان بكافة اشكاله وانواعه ، وفي الوقت الذي ترتفع نسب الشفاء في دول العالم المتقدم ، يظل حال مريض السرطان في مصر مأساويا ويزيد من خطورة الازمة ارتفاع نسبة الاصابة بالمرض سنويا لتصل الي 100 الف مريض جديد يضاف الي طابور المرضي الآخرين . مايجعل الازمة خطيرة ويضع الحكومات امام تحديات جسام لوضع استراتيجية واضحة المعالم لمواجهة هذا الوحش الذي يهدد حياة المصريين . «الأخبار» تفتح ملف السرطان في مصر وتعرض معاناة المرضي وتناقش الخبراء حول السبل الكفيلة بالسيطرة علي المرض ووقاية الملايين من الوقوع في براثنه. ساعات الانتظار تمر عليهم كالدهر .. براثن الالم الحادة تنهش اجسامهم النحيلة تفتك بكل ما تقابله بضراوة تاركة لهم الآلام والاوجاع التي توقظهم من السبات العميق علي صرخات اعضائهم المكتومة ، فالمرض الموحش لم يترك لهم مجالا للاختيار ، يسعون للبحث عن بصيص من الامل بين طرقات المستشفيات وامام ابواب المعامل وعلي اعتاب معاهد السرطان والعيادات ، تاركين منازلهم واولادهم باحثين عن مسكن لآلامهم المميته ، هائمين علي وجوههم في سبيل سماع كلمة تبعث في قلوبهم الطمأنينة .. انتقلت "الأخبار" الي معهد الاورام التابع لجامعة القاهرة بمنطقة القصر العيني وعاشت مع المرضي معاناتهم الطويلة في انتظار دورهم للدخول لاخذ جرعات الكيماوي او جلسات الاشعاع . الموت البطيء مفترشة الرصيف ومحتضنة طفلها بين ذراعيها تحاول ان تخفف من آلامه المبرحة، هكذا كان حال رانيا عبد المجيد ، التي لم تغادر مجلسها منذ الساعه الثامنة صباحا في انتظار المرور من بوابة المعهد" قالت "اغيثوني " فهي مصابة بسرطان في الكبد والغدد الليمفاوية وابنها ذو الثلاث سنوات الذي تحتضنه لايكف عن صراخه المتواصل من الالم ،مصاب بورم في المخ ، واغرورقت عيناها بالدموع باكية وتساءلت كيف انقذ ابني من الموت المحقق وانا انتظر بشكل يومي ساعات طويلة للدخول لعمل جلسة الاشعاع او اخذ الجرعة المقررة لي ، وتعالت صيحاتها قائلة "انا استحمل لكن ابني لا"، وقالت انها تشعر ان كل ما يحدث لها وابنها الآن كابوس تريد ان توقظ منه ، فبعد ولادته ب15 يوما لاحظت عليه علامات غريبة ، وكانت ترتفع حرارته ويحدث له تشنجات علي فترات متقاربة من الوقت ، وعندما ذهبت به لأحد اطباء الاورام وطلب منها عمل الاشعة والتحاليل اللازمة تم تشخيص حالته بأنه مصاب بسرطان في المخ، وقررت هي وزوجها نقل المعيشة من المنوفية لكي يعمل زوجها المريض بالقلب كحارس لاحد العقارات بالقاهرة لكي يكونوا قريبين من المعهد، وهي تقوم بالعمل في المنازل لمساعدة زوجها في تدبير احوال المعيشة ولتوفير الدواء لنجلهم ، وقالت المعهد بالنسبة لها بوابة للجحيم وتري مرضي يموتون امامها من الآلام وصرخات نجلها تمزقها ولكنها تقف امامه مكتوفة الايدي ولا تستطع ان تفعل له شيئا حيث انه في حاجة الي اجراء عملية ، ولكن نسبة نجاحها ضعيفة، وقد تسبب له اعاقة ذهنيه وهو ما جعلها تتوسل الي الاطباء للاكتفاء بجلسات الاشعاع والمسكنات ، للحفاظ علي ماتبقي من ابنها ، وهي راضية بقضاء الله وقدره ولكنها لن تعرض ابنها الي ان يعيش بقية عمره متخلفا عقليا. رحلة مؤلمة ووجدنا الحاج عيد اسماعيل "55سنة" جالسا علي رصيف الكورنيش المواجه للمعهد ،والذي قال انه لم يجد مكانا داخل الاستقبال بالمعهد لانتظار دوره في الدخول لاخذ جرعة علاجه والذي جاء في الصباح الباكر من بلدته شبين القناطر حاملا إشاعاته واوراق علاجه بعد ان تم تشخيص حالته منذ عدة اشهر علي انه مصاب بسرطان الجلد ، ونصحه الاطباء بالمجئ لمعهد الاورام لتلقي العلاج اللازم علي نفقة الدولة ومنذ ذلك الحين بدأت رحلة علاجه الطويلة والمؤلمة وهو يأتي للمعهد لأخذ جرعات العلاج ، وقال أن لديه 6 اولاد لم يستطع ادخالهم مدارس لضيق ذات اليد وعدم استطاعته توفير نفقات تعليمهم لكنه سعي لتربيتهم تربية جيدة واصبحوا الآن يعملون ارزقية في "ارض الله الواسعة" لتدبير احوال المعيشة معه ، حيث انه يعمل مزارعا ويحاول ان يحصل علي قوت اليوم له ولاسرته، ويسأل الله ان يعجل من شفائه لكي يستطيع الوقوف علي قدميه مرة اخري وان يعفيه من الورم الذي ينهش جسده ، فهو يريد ان يعود لعمله ولارضه فقد سئم اوجاعه وآلامه ، كما ان كبر سنه جعله غير قادر علي المجئ للمعهد والجلوس علي الرصيف لساعات طويلة في انتظار الدخول ، فهو يريد ان يعود لبيته معافي او ان يموت علي تراب ارضه التي زرعها بيديه طوال 20 عاما مضت ، وانهي حديثه معنا قائلا "كل من عليها فان والدوام لله". الانتظار البائس وعلي احد سلالم المعهد جلسنا بجوار ام محمد والتي كانت في انتظار زوجها الذي يعاني من سرطان في الدم ، والذي بدأ رحلة علاجه منذ عدة اشهر وقبل تشخيص حالته طلب منه الاطباء عمل اشاعات ، ولكنها وجدت ان اقرب معاد بعد شهر ونصف وهو ما جعلها تحاول تدبير ثمن الاشعه الذي كلفتها 700 جنيه ، حتي تمكنوا من الحصول علي معاد قريب للكشف عليه في المعهد، وقالت ان المشكلة الكبيرة في المعهد هي الزحام الشديد وان الاعداد الضخمة للمرضي هي السبب الرئيسي في اطالة قوائم الانتظار، وهو ما يضاعف التعب والارهاق علي المرضي وذويهم ، ولكن ليس هناك مفر واختيار آخر ، حيث ان العلاج في المعهد علي المرضي الذين لديهم تصريح بالعلاج علي نفقة الدولة ، وهو ما يوفر عليهم الكثير من نفقات علاج السرطان الباهظة والتي لا نستطع تحملها وقالت انها تعمل علي ماكنية خياطة لكي تدبر نقود لمصروفات المسكنات التي يحتاج اليها زوجها ، ورفعت يديها الي السماء داعية ان يشفي الله لها زوجها . رفقا بنا وعلي الجهة المقابلة للمعهد حيث اشعة الشمس التي يحتمي بها عدد كبير من المرضي من برودة الطقس، كانت تجلس حنان 44 سنة بجوار شقيقتها في انتظار ان ينادي عليها افراد امن الطوارئ للدخول لأخذ جلسة الاشعاع الخاصة بها ، حيث ان رحلة علاجها الطويلة بدأت منذ عام 2010 ، فهي مصابة بسرطان في الغدد الليمفاوية ، وتأتي لاجراء جلستها المقررة بصفة شهرية ، وقالت انها متعاطفة مع اهالي المرضي وذويهم والذين لا يجدون اماكن كافية للانتظار ، وهو ما يجعلهم يلجأون لافتراش الارصفة والشارع والسلالم ليأخذوا قسطا من الراحة ، ولكن ليس هناك مفر ، فهي تأتي بصفة شهرية ولا تجد اي محاولات من المسئولين لاتاحة اماكن اوسع او اكبر للمرضي او لذويهم للانتظار ، كما انه لابد من توفير عدد اكبر من الاجهزة لكي يكون تكون القدرة الاستعابية للمرضي اكبر وسيكون له اثر كبير في تقليل قوائم التنتظار التي تستمر لساعات طويلة ، كما ان هناك رجالا وسيدات كبار سن وقد لا يستطيعون الصمود طويلا مثل الصغار في السن مثلها ، وانهت حديثها قائلا "رفقا بكبار السن والاطفال يا اولي الامر". فترة احتضار اما هناء مصطفي ذات ال31 عاما فقد كانت منهمكة في توضيب اوراقها واشعاتها استعدادا لدخول المعهد بعد بعد ان علمت ان رقمها هو التالي، حيث انها تأتي من محافظة المنوفية علي مدار الثلاث سنوات الماضية لأخذ جرعة الكيماوي الخاصة بها لانها تعاني من سرطان في الغدد الليمفاوية، واشارت الي انها تجد رعاية طبية جيدة ولكن الازمة تكمن في فترة الانتظار الطويلة والتي تجعلها تتأخر كثيرا علي اولادها الذين تتركهم بمفردهم في المنزل لكي تأتي لأخذ جرعتها ، كما ان القدرة الاستيعابية للمعهد صغيرة مقارنة بالاعداد الضخمة التي تتوافد عليه من مختلف محافظات مصر لذلك لابد ان يتم عمل معاهد في محافظات اخري لكي يخف الضغط علي المكان بالاضافة الي التسهيل علي المرضي رحلة علاجهم الشاقة والتي تزيد من معاناتهم للوصول الي المعهد فضلا عن تكاليف المسكات والادوية بالاضافة الي مصاريف السفر من المحافظات الي القاهرة . وعلي اعتاب عيادة "الألم" وجدنا الحاج فؤاد محمد جاسم مفترشا الارض في انتظار حفيده علي ذي الاربع سنوات ليصطحبه الي المنزل بعد انتهائه من جرعة الكيماوي ، حيث انه مصاب بسرطان في الدم منذ سنتين ، وكانت آلامه المبرحة وصراخه المستمر يجعلهم يهرولون للبحث عن العلاج اللازم له ، وقاموا بعرضه علي الكثير من الاطباء والذين اجمعوا علي ان معهد الاورام هو افضل مكان لعلاجه، ومنذ ذلك الحين وهو يعالج هنا ، وقال انه يريد فقط ان يطمئن علي حفيده وان تعود اليه ضحكته المعهودة التي افتقدناها كثيرا طوال السنتين الماضيتين والتي كانت بمثابة فترة احتضار لجميع افراد العائلة.