فشلنا فشلا ذريعا، ودفعت بلادنا ثمنا فادحا للديمقراطية المعلبة التي استوردناها من الخارج. فتجارب الإصلاح الديمقراطي لا يمكن بأي حال من الأحوال تعميمها وتطبيقها في أي دولة دون الأخذ في الاعتبار الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والذي يختلف من دولة إلي أخري. وبعيداً عن جهابذة الفكر الديمقراطي والنشطاء وادعياء حقوق الإنسان، الذين تلقوا تدريباتهم ودراساتهم بالخارج، فإن مصر احوج ما تكون الآن إلي نظام جديد، لا يكون تطبيقا حرفيا لما يحدث بالخارج، وانما ينبع من واقع المجتمع واحتياجاته، والأمية التي تسود قطاعات كبيرة فيه حتي بين بعض مثقفيه. واعتقد أن دراسة عمليات التزوير التي تمت في الانتخابات الرئاسية، ومن قبلها البرلمانية، كفيلة بأن تكشف عن عبقرية خاصة نتمتع بها، لكننا لا نوظفها في الطريق الصحيح!! لم تكن الورقة الدوارة أو القلم الذي يختفي حبره بعد التوقيع، أو وضع ورقة انتخاب زائدة في بعض الصناديق التي تؤكد المؤشرات انها لمصلحة طرف دون آخر لإبطالها، أو تطويق نجوع وكفور وعزب محددة لمنع خروج ناخبيها أو الوصول للمطابع التي تقوم بطباعة أوراق الاقتراع السرية المؤمنة أو تجنيد بعض القائمين علي العملية الانتخابية داخل اللجان. لم يكن كل ذلك إلا من واقع حاجة كشفت عن عبقرية للتزوير قل وندر وربما لا يوجد مثلها في أي دولة بالعالم، ويكفينا فخرا ان نتائج الانتخابات تعلن عندنا قبل أن تبدأ عمليات الفرز.. وبما لا يعارض شرع الله!! وعلي طريقة »اللي سبق أكل النبق« والتي تزامنت مع حملة ترويع وتخويف وتهديد في حالة نجاح الفريق أحمد شفيق، وهي كلها أسباب كفيلة لأن تهدم العملية الانتخابية من أساسها. الزند.. حصن منيع: وسط النفق المظلم الذي تعيشه مصر كلها، يظل قضاء مصر شامخا وعنوانا للحقيقة، برجالاته العظام الذين يؤكدون يوما بعد يوم انهم قادرون علي حماية العدالة وإعلاء كلماتها. ورغم كل المحاولات اليائسة للزج بقضاة مصر في مستنقع السياسة التي يديرها ويمارسها الهواة، يدرك كل أبناء مصر الشرفاء ان حصن العدالة هو آخر الحصون التي لا تزال قوية ومنيعة أمام جحافل الطامعين والمتربصين ببلادنا. حصن منيع كانت كلمته عنوانا للحق دائما، حتي وان كان الخصم هو بعض القلة من رجال القضاء الذين يغردون خارج سرب العدالة. لقد جاء بيان نادي القضاة ومواقف المستشار الجليل أحمد الزند تجاه بعض الأعضاء الذين سارعوا باعلان نتائج انتخابات الرئاسة المبدئية، تؤكد من جديد المعدن الأصيل للغالبية العظمي من قضاة مصر الذين يتمسكون بالشرعية والذين تصقلهم الأيام وتزيد بريق علمهم وخبرتهم. لقد حاول بعض المغرضين وهواة السياسة الجدد الذين ابتليت بهم مصر، تصويب سهامهم للمستشار الجليل أحمد الزند، في اعقاب دفاعه عن قضاة مصر تجاه الهجمة الشرسة التي تعرض لها القضاة والقضاء من جانب أعضاء مجلس الشعب المنحل، والتي كانت تمثل اعتداء علي مصر كلها، لكن الرجل وقف كعادته كالطود الشامخ يرد كيد الحاقدين ويفضح مخططاتهم التي تهدف للنيل من حصن العدالة. وجاء موقفه الاخير ليؤكد من جديد المعدن النفيس للعدالة والحق والحقيقة، والتي تظل عنوانا لكل قضاة مصر الأجلاء الذين يواجهون ظروفا قاسية وصعبة خلال عملهم.. ويؤكدون ايضا انهم قادرون علي حمل الأمانة وتصحيح مسار قلة قليلة من القضاة تحاول التغريد خارج سرب الوطنية، ورداء العدالة الأبيض. أعلي الأوسمة للجنزوري: لا أعتقد أن الدكتور كمال الجنزوري رئيس مجلس الوزراء يهوي الأوسمة والنياشين واختيار براويز الصور التذكارية التي تسجل رصيد عطائه وانجازاته، والتي ربما لا تكفيها غرف مسكنه الضيق الذي يعيش فيه بالايجار. واعرف ايضا ان ظروف مصر الآن ربما لا تسمح أو تتسع لتشمل تكريم الرجل، الذي يستحق بكل الجدارة نيل أعلي أوسمة مصر، جزاء ما قدمه لبلاده خلال الأشهر القليلة الماضية. لكن الغريق يظل طوال حياته لا تفارقه صورة منقذه وسوف يذكر التاريخ بأحرف من نور ما قدمه الدكتور كمال الجنزوري خلال تلك الفترة العصيبة التي اجتازتها مصر، والتي أعاد فيها من جديد وبكل الجدارة تعويم سفينة الوطن الذي كان قد غرق بالفعل. رصيد شهور قليلة سوف تكشف الأيام أنه يزيد بكثير عن رصيد سنوات كثيرة، قدمها كل الذين تولوا هذا المنصب منذ قيام ثورة يوليو 52 وحتي اليوم. وكم اتمني من كل قلبي أن تتاح للرجل الفرصة لاستكمال تعويم اقتصاد وصل بالفعل إلي نقطة الصفر قبل قبوله التكليف بالمهمة الشاقة. أعرف ان الدكتور كمال الجنزوري يستعد الآن، بل يتعجل الساعات والايام من اجل ترك هموم ومشقة منصبه، لكنني اثق في ان الرئيس الجديد سوف يفكر الف مرة ومرة في ان يظل الرجل في منصبه، وحتي يتم الالمام الكامل بخارطة طريق اصلاح يملك الجنزوري زمامها، وأثق ايضا ان خبرته الطويلة سوف يتم الاستفادة بها، حتي لو ترك منصبه كرئيس للوزراء، وستظل قيمة أعلي أوسمة مصر ترتبط بمن تمنح إليه، والجنزوري بشخصه وعلمه وخبراته هو وسام علي صدر مصر كلها.