وقتل أمامهم واحدا من التجار المزيفين بدعوي أنه خالف أمر الخليفة واحتكر الدقيق والقمح وحبسه عن الناس ،وزاد في تخويفهم بأن أمر السياف فقتل أحدهم وهم في ذهول عشرات الأزمات الخانقة مرت بها مصر بسبب المياه وانخفاض الفيضان ،لعل أشهرها ما عانته فترة حلول سيدنا يوسف بها والسنوات السبع العجاف التي تولي خلالها وزارة مصر وحكمها.. أما أشد تلك الأزمات فكان أيام الخليفة الفاطمي المستنصر (10651071م) وسماها التاريخ «الشدة المستنصرية» ووصلت الأزمة أيامها إلي قمة المعاناة وشظف العيش حتي بيع رغيف الخبز خلالها بالمزاد ب15 دينارا وذبح الناس القطط والكلاب بعد أن تصحرت الأرض وجفت ضروع البهائم وزادت المحنة فأكل المصريون جثث الحيوانات ، بل كانوا يصطادون بعضهم بعضا في الشوارع ويذبحون من يتمكنون منه ويأكلونه حتي سجل عدد السكان وقتها أقل معدلاته في التاريخ. ويذكر المقريزي في كتابه «إغاثة الأمة بكشف الغمة»حكاية امرأة غنية كانت أرملة للأمير جعفر بن هشام التي دفعت ألف دينار ثمنا لجوال دقيق واستأجرت مجموعة من الفتوات «بلغة زماننا»لتوصيله إلي بيتها حتي اقتربوا بالدقيق من منزلها فتناولته منهم فإذا بالفقراء الجائعين يتكالبون عليها وعلي الدقيق ولم يكن حظها منه إلا ملء كفيها ،فذهبت وخبزته ثم انطلقت بالرغيف إلي أسوار قصر الخليفة لتقود أول مظاهرة نسائية في التاريخ تهتف ضد الخليفة «ياأهل القاهرة ادعوا للخليفة المستنصر الذي أسعد الناس بأيامه حتي حصلت علي هذا الرغيف بألف دينار» ،واستدعي الخليفة والي مصر طالبا منه التصرف،رغم أن الخليفة ذاته باع مايملك خلال الأزمة حتي رخامات شواهد قبور أسرته للحصول علي الطعام وذبح الناس بغلة وزير الخليفة خلال تحقيقه في إحدي الحوادث. ولجأ الوالي إلي حيلة يخيف بها التجارالمحتكرين بأن أحضر مجموعة من المجرمين المحكوم علي بعضهم بالإعدام وألبسهم ملابس التجار واستدعي تجار القاهرة وقتل أمامهم واحدا من التجار المزيفين بدعوي أنه خالف أمر الخليفة واحتكر الدقيق والقمح وحبسه عن الناس ،وزاد في تخويفهم بأن أمر السياف فقتل أحدهم وهم في ذهول وما كان منهم إلا طلب العفو وانطلقوا إلي مخازنهم يخرجون الدقيق والقمح لتمتلئ الأسواق في ساعات قليلة بالخبز..وهكذا كان رغيف الخبز الذي تكلف ألف دينار سببا في تحرك الخليفة والوالي للسيطرة علي التجار المحتكرين. هي حكاية من التاريخ علي هامش تداعيات سد النهضة والأصوات التي يختلط لديها الخوف بالتخويف وتصوير أننا علي شفا الهلاك ، نعم نحن مقبلون علي أزمة ،لكنها تحتاج منا جميعا أن نفكر كيف نتعامل معها لا أن يتوه البسطاء بين من يهونون الأمر ولا يعطونه ما يستحقه من أهمية وبين من يهولون منه تشفيا ونكاية ، يظن الاولون أنهم مانعتهم أموالهم وسطوتهم ،ويؤكد الآخرون أنها كبوات أنظمة وسوء إدارة للأزمة. إننا جميعا أمام أسئلة حتمية :ماذا سنفعل في حال حدوث الأسوأ؟كيف نستطيع التعامل بما سيتبقي لنا من نصيبنا المائي ؟ وكيف ستمضي خطط التنمية الزراعية؟ الأسئلة منوط بها أولا المسئولون والمتخصصون ومراكز الأبحاث المائية وأخيرا القاعدة الشعبية التي سيكون عليها العبء الأكبر في الحفاظ علي هذا الوطن. [email protected]