المدهش جدا أن الفوضوي المتمرد البوهيمي الصعلوك الروائي المغربي محمد شكري هو نفسه صاحب عبارة (الكتابة هي التنقيح) يعني أن الكتابة الحقة الباقية، والأكثر تأثيرا هي ما بعد الموهبة، أو أن كتابة الإلهام ووحي الخاطر، لا تكتمل وتتماسك إلا بالتنقيح والمراجعة وانتقاء الألفاظ والحذف والإضافة والتدقيق والتصويب.. تلك هي الصنعة والمهارة والوعي الذي يمنح للنص الإبداعي قوته وعمقه وحضوره.. ورغم أن هذه الممارسة الإبداعية أو إعادة النظر في النص الإبداعي هي ابتكار معاصر، ربما ابتكار القرن العشرين... فهناك أيضا من يفضلون أن تظل كتابتهم أول الخاطر، كما قال الشاعر الإنجليزي بايرون (ليس هناك وثبة ثانية...لا يمكنني أن أصحح)...غالبية المبدعين يحرصون علي الوثبة الثانية والثالثة والرابعة أيضا... وهم في الأغلب لا يحبون إطلاع أحد علي هذه المرحلة من الكتابة، أو ما يسمونه مطبخ الكتابة، لا يفضلون إظهار النص قبل تنقيحه وإتمامه.. وكثيرون أيضا تظل نصوصهم مفتوحة قابلة دائما للحذف أو الإضافة، يمكنهم نشرها في الصحف والمجلات، ثم يقومون بإجراء تعديلات أخري عند نشرها في كتاب.. كتب ازرا باوند قصيدته (في محطة المترو) من 30 بيتا، وظل يختصرها ويعدل فيها كل 6 أشهر، حتي اكتملت لديه في بيتين فقط!! طلبت يوما من محمود درويش فور إلقائه قصيدة جديدة علي المسرح الصغير بدار الأوبرا، هل يمكن إعطائي القصيدة بخط يدك للنشر، قال ليس بعد، لازالت القصيدة بحاجة إلي تنقيح.. قلت: لكنك قرأتها الآن أمام الجمهور.. قال: كمن يقرأها لصديق !