بعد مرور اكثر من قرن كوسيلة مواصلات رخيصة.. آمنة.. قتلنا بدم بارد «المترو» و«الترام» وحولنا عرباته الحديدية التي ارتبطت بذاكرة وماضي الملايين من المصريين إلي مجرد «خردة» تنتظر التاجر الذي يشتريها بالطن. ومازالت محافظة القاهرة تمحو آثاره وتزيل قضبانه من ذاكرة شوارع المحروسة وكان التطور الاخير أمس من المحافظ د. جلال السعيد الذي واصل مبررات قرار اعدام المترو بحجة توسعة الشوارع وتحقيق السيولة المرورية وقال في تصريحات له امس ان اعمال التطوير التي يشهدها مسار الترام جارية علي قدم وساق حيث تم رفع الشبكة الهوائية وازالة الاسلاك العلوية للترام بالكامل ويجري حاليا الانتهاء من عملية ازالة ورفع القضبان الحديدية في المسافة الواقعة من ميدان المطرية وحتي اسفل كوبري التجنيد بمسافة 2500 م تمهيدا لتوسعة اتجاهي المسار بعرض 3٬5 م لكل حارة مع انشاء جزيرة وسطي كفاصل بعرض 3م بهدف تحقيق السيولة المرورية بالشارع الرئيسي الواصل ما بين ميدان المطرية وحتي ميدان المحكمة نظرا لتكدس وازدحام السيارات المارة بتلك المنطقة بكثافة خلال اوقات الذروة. انتقلت «الأخبار» إلي مقبرة «المترو والترام» ورصدت بالصورة عربات المترو وهي تنعي حظها وسوء «المنقلب» الذي اصبحت فيه وقبل ان تلتقط عدساتنا الاحوال في هذه المقبرة منعنا رجال الامن من التصوير الا بعد موافقة المحافظة والتي رفضت هي الاخري التقاط اي صورة للمرحوم المترو وهو في مقبرته ربما حرصا علي عدم انتهاك قدسية الموتي. كانت الحجة التي بررت بها هيئة النقل العام بالقاهرة ما فعلته هو ان الترام يستهلك كهرباء بتكلفة 5 ملايين جنيه سنويا بينما عائد تشغيله محدود جدا ومستخدموه لا يتجاوزون بضع ألوف من المواطنين ويشغل حيزا كبيرا من شوارع مصر الجديدة بما يعد تعطيلا للمرور وقال اللواء رزق أبو علي رئيس الهيئة ل «الأخبار» ان الترام كان احد اهم وسائل النقل وكان ذلك منذ عشرات السنين وكان مناسبا «لفراغ» الشوارع وتعداد السكان والآن اصبح احد اكثر وسائل الانتقال بطئا واشار إلي ان العربات الحالية متهالكة جدا ولا تجري صيانتها بالشكل المطلوب نظرا للخسائر الفادحة المتحققة بسبب تشغيله واستهلاكه للكهرباء. وأوضح أنه تم إزالة قضبان الترام الحديدية من شوارع منطقة حلمية الزيتون والمطرية والوايلي وصولًا إلي منطقة التجنيد، تمهيدًا لتوسعة الطريق لتسهيل العملية المرورية، بعد اختيار المحاور الجديدة التي سيتم تمهيدها لعمل مشروع القطارات السريعة بعد نجاحها في مدينة نصر، مشيراً إلي أن القضبان القديمة التي يتم إزالتها من الشوارع سيتم عمل مزاد عليها لبيعها. هذا القرار كانت تداعياته علي اهالي مصر الجديدة بتدشين «مبادرة تراث مصر الجديدة» لوقف القرار.. وقال شكري أسمر منسق حملة انقذوا تراث مصر أن القرار مفاجئ وغريب متسائلاً من المستفيد من نزع البنية التحتية من قضبان وكابلات وفلانكات والأهم المسار نفسه واستبداله بأتوبيسات ملوثة تسهم سلباً في خلق المزيد من الاختناقات المرورية بالإضافة إلي تكلفتها العالية علي خزينة الدولة علي المدي المتوسط واستفسر من سيعوض 70 ألف مواطن ممن يستخدمون الخط يوميا بتذكرة نصف جنيه فقط، في الوقت الذي زاد فيه سعر الميكروباص الموازي عند توقف الخط من جنيه ونصف إلي ثلاثة جنيهات والذي يعتبر معلماً تراثياً وتاريخياً موضحا انه السبب الرئيسي لنجاح إقامة واحد من أهم أحياء القاهرة في بداية القرن العشرين «مصر الجديدة» ومع التطور في وسائل المواصلات والتكدس المروري المزمن في قلب القاهرة عادت الحاجة لهذه الوسيلة النظيفة غير الملوثة للبيئة وأرخص وسيلة مواصلات عامة علي المدي المتوسط وغير المكلفة للمواطنين لتسهيل التنقل. أوضح منسق مبادرة تراث مصر الجديدة مبادرة ان الترام لم يتم تطويره أو شراء قطع غيار جديدة له منذ عام 1992 حتي أصبح متهالكاً، مشيراً إلي أنهم قاموا بتقديم دراسة واضحة لوزارة النقل للاستثمار في تطوير الترام، وأشار أنه تم الاتصال بعدد من البنوك والمؤسسات المالية الدولية والتي أبدت استعداداً تاماً لتمويل المشروع وتقديم قروض ميسرة لوزارة النقل تصل إلي 750 مليون يورو بل وتقديم منحة تصل إلي مليوني يورو لبحث ودراسة كل جوانب المشروع. وأكد أن المبادرة طالبت بعدم المساس بالنسيج العمراني أو تغيير معالم المنطقة حين يتم تجديد خطوط الترام أسوة بما تم في كثير من عواصم البلاد العربية والعالمية كالدار البيضاء والرباط بالمغرب وباريس بفرنسا وهو ما نسعي دائما له أن نجد حلولاً عصرية دون المساس بالتراث. يعود تاريخ إنشاء ترام مصر الجديدة إلي العام 1910، حيث أنشئ أول خط بين القاهرة وهليوبوليس بواسطة شركة بلجيكية تُسمي «سكك حديد مصر الكهربائية وواحات عين شمس»، وكان في البداية يعمل بين محطة كوبري الليمون وروكسي بمسافة 7 كيلومترات، وتعمل عليه قطارات بتقاطر كل نصف ساعة، وعدد ركاب لا يزيد علي 4800 راكب في السنة.. وفي عام 1951، بدأ تشغيل خط عبد العزيز فهمي، وفي عام 1952، نقل نهاية خط النزهة من محطة عماد الدين إلي شارع الجلاء، وفي عام 1962، أنشئ خط مدينة نصر، وامتد خط الميرغني 1.2 كيلومتر، أما عام 1963، فامتدت الخطوط من الجلاء إلي كورنيش النيل، وفي عام 1972، كانت بداية تشغيل خط «المطرية - الدراسة».وفي بداية التشغيل، كانت العربات التي يعمل بها المترو صناعة بلجيكية. التأميم وتعود ملكية الترام ومنشآته إلي الشركة البلجيكية، لكن تم تعيين حارس إداري علي مرفق ترام القاهرة الكبري طبقا للقرار رقم 2111 لسنة 1960، من قبل الرئيس جمال عبد الناصر، ثم تم تأميم الشركة بالقانون رقم 123 لسنة 1961، وعلي هذا تم نقل تبعية شركة ترام القاهرة لهيئة النقل العام التي تم إنشاؤها عام 1959، وآلت إلي هيئة النقل جميع منشآت الشركة بمن فيها من العمال.. وكان مترو مصر الجديدة يتبع شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير حتي عام 1991، ثم تم نقله من الشركة لصالح هيئة النقل العام ومحافظة القاهرة وفقًا للقرار رقم 1655 عام 1992. شريف الزهيري