علي مدار قرون ظل تحويل التراب إلي ذهب حلماً يراود الكثيرين، لكن المفاجأة أن ما يعتبره البعض مستحيلاً يتحقق في «الصاغة» بالفعل، حيث أصبح هناك «حيتان» بالمنطقة اكتسبوا ثراءهم من استخراج الذهب من التراب الذي تخلفه صناعة المشغولات الذهبية.. إنهم يقتصونه من الأرض وبالوعات المجاري الذي يصل سعر الذهب المستخرج منها إلي 50 جنيها في المرة! في جولة ميدانية لورش الذهب بمنطقة الصاغة بالجمالية كنا نتساءل عن كيفية جمع تراب الذهب وتحويله لمشغولات ذهبية ، كان الحذر هو سيد الموقف، فلكل كلمة ثمن.. والقلق يسيطر علي العمال.. ففي ايديهم عهدة تقدر بالآلاف لن يتحملو ثمنها اذا فقدوها.. خلال دخولنا إلي مصنع شهير بالصاغة فوجئنا بإجراءات التأمين المشددة والكاميرات المنتشرة في كل مكان، وأجهزة الكشف عن الذهب امام البوابات الخارجية. «دخلتكم عليا بخسارة».. هكذا قال أندريا تادرس صاحب المصنع مبتسماً وأوضح أن المصانع أو الورش الخاصة بصناعة المشغولات الذهبية تشبه منطقة عسكرية ممنوع الاقتراب أو التصوير بها، وغير مسموح بدخولها إلا للعاملين بها والجميع يمر بضوابط المصنع.. واضاف: مجرد مروركم إلي داخل المصنع والصعود للدور الثاني ثم الخروج إلي خارج بوابة المصنع يكبدني خسائر بآلاف الجنيهات وذلك بسبب تلاصق رقائق وقشرات الذهب بأحذيتكم، وارتسمت ملامح الدهشة والاستغراب علي وجوهنا، فأكد كلامه ورفض استكمال الحديث معنا لانشغاله بتأمين تجارته، وتكرر الموقف نفسه في أكثر من مصنع، لكننا في النهاية التقينا بالحاج «خالد دغدغ» صاحب مصانع ومحلات للمشغولات الذهبية، فأوضح أن تراب الذهب هو أنواع منه « تراب الجلا وتراب الأرضية وتراب اليدين وتراب الجبس» مفسراً كيفية الحصول علي الذهب من هذه الأتربة قائلاً: لكي يحصل أصحاب مصانع وورش الذهب علي تراب الأرضية يقومون، فأوضح أن بفرش أرضية المصنع ومكان العمل بتكعيبات من الخشب بعمق 3 سنتيمترات تشبه سجادة مفروشة حتي لا تلتصق حبيبات وقشريات الذهب بأحذية العاملين، وأشار إلي أنها تتناثرغالباً من بقايا المشغولات الذهبية خلال العمل بهذه المهنة فيقوم صاحب المصنع بتجميع ذلك التراب إما شهريا أو أسبوعيا ولكل ورشة نظامها الخاص في تجميع التراب فبعضهم يشترون التراب كل، عام وآخرون شهرياً أو أسبوعياً حسب مقدرة التاجر المادية.. ومن جانبه أوضح حسن دغدغ أن تحويل التراب إلي ذهب خالص لإعادة تصنيعه يتم عن طريق «الخسية» وهي تقدير نسبة الذهب داخل التراب من خلال قياس جودة عينة من التراب تقدر ب 5 جرامات ومعرفة درجته وعياره التي تسمي بعملية «التقدير العشوائي»، بعدها تدخل في عدة مراحل أولها الحرق وعملية «الشيشني»التي يقوم بها الشيشنجي وهي عملية تفريغ التراب فيالأرض ثم تقليبه في «الغلاية» ثم «التعويم» و«الشطف» و«الترقيد» و«العزل»، وعند الحصول علي اثنين كيلومن التراب المختلط بالزئبق الأبيض والمونة يتم تجميع الذهب بعد ظهور البخار البني في الإناء، حيث يجري عزل المياه الكاوية في إناء آخر من خلال ماكينة الشفط. وأشار إلي أن «الطلعة» الأولي والثانية والثالثة لا تنتج ذهباً إلا بنسبة بسيطة اما «الطلعة» الأخيرة بهذه الماكينة التي تشبه المصفاة فهي التيتنتج الكمية الأكبر من الذهب بعدها، يوضع هذا الذهب بماكينة تشبه الصينية لتحرق الشوائب المضافة إلي الذهب، وفي المرحلة النهائية يتم الحصول علي ذهب صاف وأشار إلي إن تقدير نسبة الذهب في التراب يتم بشكل عشوائي بعد عملية «التعويم»، ورغم صعوبة الخطوات وتعددها إلا أن عملية البحث عن تراب الذهب لا تزال أوفر بكثير من عملية شراء الذهب خالص من جديد. وأصبح حيتان الصاغة من تجار اتراب وملوك الذهب يبحثون عن التراب بكل وسائل التكنولوجيا الحديثة ويشترونه بتكاليف أقل لإعادة تصنيعه من جديد وتحقيق المزيد من المكاسب المالية.