مبررات ثورة يناير كانت واضحة أمامنا جميعاً، لكن أحداً لم يكن »واخد باله«! قالها محمد قاسم رئيس الشركة المصرية العالمية للتجارة في صورة اعتراف متأخر كثيراً مشيرا إلي أن الأوضاع الخاصة بمناخ الأعمال لم تكن تؤدي إلا إلي ثورة، حتي جاء القطار يقصد الثورة الذي »لطشنا« جميعاً.. لنبدأ من جديد! اعتراف محمد قاسم جاء وسط حوار اقتصادي صريح داخل المركز المصري للدراسات الاقتصادية بشأن الإصلاحات المطلوبة لدعم بيئة الأعمال في مصر.. لكن هذا الاعتراف لم يكن كافياً في رأي أسامة مراد رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة آراب فاينانس لتداول الأوراق المالية. ولذا فقد جاءت كلماته أكثر صراحة وقال: غير صحيح ان أحدا لم يكن »واخد باله« بالعكس.. حضراتكم لم تسمعوا شيئاً مما كان يقال أمامكم وأمام كل المسئولين في الحكومة أو في الحزب الوطني المنحل أو في أية لقاءات لمنظمات الأعمال، والأدهي أن قيادات الوطني كانت تستأثر بكل المناصب حتي جمعيات رجال الأعمال الوليدة وسط إصرار علي عدم تولي غير أعضاء هذا الحزب رئاسة أي جمعية ناجحة! وقال أسامة مراد: منذ سنوات ونحن نتجادل ونسأل: من المخطئ! نتحدث عن أخطاء فادحة في بعض المواقع ولا أحد يسمع، والنظرة الفوقية للمجتمع كانت السائدة.. ورغم هذا وذاك كما أضاف فإنه سواء حكمنا محمد مرسي أو أحمد شفيق أو الجيش فإن الأفكار لا تحترق ولن تعود إلي الخلف أبداً! نفس الرأي تقريباً طرحه شريف فوزي المدير التنفيذي للمبادرة المصرية لإصلاح مناخ الأعمال »إرادة« متسائلاً عن العديد من الإجراءات التي قتلت بحثاً ولم تصدر بعد ولعل في مقدمتها القانون الذي ييسر عملية الخروج من السوق والذي لم يظهر بعد رغم مرور سنوات علي طرحه للنقاش! وهو هنا يقصد القول بأن المستثمر الذي لا يعرف طريقة الخروج من السوق لن يأتي إلي هذا السوق من الأساس.. وهو أمر بالغ الأهمية لتحسين مناخ الأعمال في مصر. مناخ الأعمال هذا كان محور حوار دعا المركز المصري للدراسات الاقتصادية إليه كلا من أندرو ستون كبير اخصائيي تنمية القطاع الخاص بإدارة الشرق الأوسط وشمال افريقيا بالبنك الدولي وأمينة غانم المديرة التنفيذية للمجلس المصري الوطني للتنافسية ومعهما بالطبع صاحبة البيت أقصد المركز المديرة التنفيذية له د. ماجدة قنديل ومحمد قاسم رئيس الشركة المصرية العالمية للتجارة.. ومع هؤلاء كانت هناك نخبة من الخبراء مثل د. أمنية حلمي كبيرة الاقتصاديين بالمركز ود. مني ياسين رئيسة جهاز حماية المنافسة ومنع ممارسات الاحتكار سابقاً ود. يمن الحماقي أستاذة الاقتصاد ود. سمير رضوان وزير المالية السابق وعدد من المسئولين باتحاد الصناعات واتحاد الغرف التجارية مثل طارق توفيق وعادل العزبي. عموماً القضية المطروحة في منتهي الأهمية خاصة أن المؤشرات العالمية المعنية بتقييم جودة المؤسسات أظهرت تدهوراً أو ثباتاً في ترتيب الاقتصاد المصري خلال السنوات الأخيرة، حيث أدي عدم تحقيق تقدم ملموس علي صعيد بناء وتطوير المؤسسات إلي الحد من عدم قدرة الاقتصاد علي تحقيق إمكاناته في النمو حتي خلال الفترات التي شهدت معدلات مرتفعة من النمو والاستثمارات الخاصة. وهنا تشير د. ماجدة قنديل إلي أنه في حين يحظي تحقيق الاستقرار الاقتصادي بأهمية كبيرة خلال الفترة القصيرة القادمة فإنه ينبغي أن تركز أولويات الاصلاح في نفس الوقت علي التخفيف من حدة الأزمات المزمنة بغية تمكين الاقتصاد من تحقيق مستويات مرتفعة من النمو والتنافسية. وأضافت قائلة: إنه علي الصعيد الهيكلي لابد من القضاء علي المعوقات الحالية لتحسين مستويات الحوكمة والقدرة التنافسية للصادرات علي المستوي العالمي بجانب خفض تكلفة أداء الأعمال والقضاء علي الفساد. وفي هذا الصدد تركز الحديث حول تأثير الجمود الذي تعاني منه المؤسسات علي بيئة الأعمال في مصر، وكذا تأثير التطورات الأخيرة التي أعقبت الثورة علي تحديد أولويات الإصلاح هيكلياً ومؤسسياً بهدف دعم النمو. وفي دراسة مهمة أشارت د. ماجدة قنديل إلي العديد من المؤشرات التي تحكم عمل المؤسسات ومنها مؤشر نوعية الأطر التنظيمية في مصر والذي جاء الأدني مقارنة بنظيره في دول مشابهة لأوضاع مصر مثل تشيلي وماليزيا وتونس، وهو الأمر الذي أثر علي التدفقات الوافدة من الاستثمار الأجنبي المباشر، وكذا الأمر بالنسبة لمؤشر حماية المستثمرين فقد جاء متدنياً هو الآخر مقارنة بالدول الثلاث. ونفس الشيء بالنسبة لمؤشر إدراك الفساد. وأضافت د. ماجدة قنديل مشيرة إلي أنه في عينة من 45 بلداً تبين ارتفاع صافي التدفقات من الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل كبير مع ارتفاع مستوي الأطر التنظيمية للأعمال، وفي عينة أخري من 651 بلداً اتضح أن تحسن مؤشر إدراك الفساد يعمل علي زيادة النشاط الخاص، وفي عينة ثالثة من 16 بلداً تبين أن ارتفاع مؤشر حماية المستثمرين يعمل علي زيادة نسبة الاستثمار للناتج المحلي الإجمالي. وهكذا كما قالت فإن البلدان التي استثمرت في المؤسسات تفوقت علي مصر في مجال تحقيق إمكاناتها بصورة أسرع. في ذات السياق أشار أندرو ستون خبير البنك الدولي إلي أن عام 1102 كان عاماً صعباً علي القطاع الخاص، مؤكداً أن أغلبية الشركات ذكرت حدوث انخفاض في مبيعاتها وهو ما أثر علي تلك الشركات خاصة الصغيرة والمتوسطة، وكانت أولويات الشركات العاجلة تتمثل في مشاكل عدم اليقين وسيادة القانون بما يتضمنه ذلك من فساد وجريمة وغياب التنظيم. وطرح ستون رؤيته لتحفيز النمو مشيراً إلي ضرورة اتخاذ تدابير لتسهيل دخول الأعمال مع تبسيط إجراءات الخروج من السوق، وكذا تيسير إجراءات البناء، وإصلاح النظام المالي لتسهيل تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة مع تعزيز الحصول علي المعلومات والقدرة علي التنبؤ بالقواعد العامة وإصلاح قانون المنافسة وتبسيط إجراءات تسجيل الملكية، كل ذلك بالإضافة إلي إصلاحات أوسع نطاقاً تشمل إدارة عملية الإصلاح من خلال خلق إطار مؤسسي يتضمن هيئة اتخاذ قرار مركزية عالية المستوي، ووحدة لإدارة الإصلاحات مع مجموعات عمل عامة وخاصة ووحدات لتنفيذ المشاريع. وبدورها أشارت أمينة غانم مديرة المجلس المصري للتنافسية إلي أن الأوضاع المرتبطة ببيئة الأعمال والتنافسية بمصر تمر بأدني مستوياتها مقارنة باقتصاديات دول بازغة حققت نتائج أفضل، وأضافت مشيرة إلي أنه في عام 6002 حدث تطور اقتصادي ملموس ولكن ارتبط ذلك بالحديث عن قواعد اللعبة واستغلال الفرص، ومن يستثمرون صلات تربطهم بآخرين مما أوصل بيئة المؤسسات إلي ما هي عليه! وهو ما يعني أن هذه الأوضاع السيئة أطاحت بمعدلات النمو الاقتصادي! وقالت إن بيئة الأعمال تعاني الكثير، فإثبات حقوق الملكية علي سبيل المثال يستغرق سنوات طويلة. وأضافت: صحيح هناك مؤسسات ولكن: هل تقوم بدورها؟ هذا هو المهم!.. ولذا حدث ما حدث ولم يستفد الجميع من معدلات النمو! نفس الأمر في مؤسسة مثل الضرائب حيث الأمر يحتم المصداقية والشفافية والأهم ألا تحمي المؤسسات مصالح أشخاص بعينهم! فإذا شعر الناس بأن القواعد لا تطبق بالتساوي علي الجميع فإنهم يميلون إلي عدم احترام المؤسسات التي تصدر وتنفذ هذه القواعد وهو ما يؤدي إلي الرشاوي والتهرب من دفع حقوق الدولة. أما د. أمنية حلمي أستاذة الاقتصاد فقد اتجهت بحديثها إلي التساؤل بشأن السبب في عدم إصدار قانون الخروج من السوق. كما أشارت إلي أنه في أحيان عديدة تكون الحكومة حكماً وخصماً في نفس الوقت في العديد من المنازعات خاصة التي تنشأ بينها وبين العمال وهو أمر لا يستقيم. ولكن رغم هذا وذاك يبقي ما قاله أسامة مراد وتأكيده علي أن أحداً لم يكن يسمع ما يثار من مشاكل.. ربما عامداً متعمداً.. ربما متجاهلاً.. وربما متعالياً إلي أن جاءت الثورة! وهنا لابد أن يسمع الجميع ما قالته د. ماجدة قنديل من ضرورة تطهير الفساد والقضاء علي كل أشكاله خاصة أن الجانب الكبير منه فساد إداري!