وفي كل الأحوال وجد زملاؤنا في المصري اليوم أنفسهم طرفاً في معادلة لم يكن من اللائق إدخالهم فيها بات في حكم المؤكد بالنسبة للعبد لله، أن هناك طرفين يتنازعان في إدارة مصر، أحدهما ذكي، ويفكر في حلول خارج الصندوق، ويريد تحقيق إنجاز وإحراز الفوز من أجل الوطن بحق، والآخر غبي بمعني الكلمة، قديم الطراز، عتيق التفكير، أعمي البصر والبصيرة، يتفنن في تلبيسنا في حيطة، لا لشئ إلا لأنه يريد احتكار الإدارة السياسية لشئون البلاد، مرة باسم حماية مصر من المخططات الخارجية، ومرة باسم الطابور الخامس، ومرة باسم الثورة، ومرة باسم الوطنية، ومرة باسم الحرب علي الإرهاب، ومرة باسم الحريات، وفي كل مرة يكون ذلك اسم الدلع لشئ كبير اسمه (العك). الأسبوع الماضي حدث صراع بين الطرفين دفعت مصر ثمناً باهظاً فيه، فقد تم القبض علي رجل الأعمال صلاح دياب، مالك جريدة المصري اليوم، وصاحب العديد من الشركات، والذي لا أعرفه شخصياً بالمناسبة، ولا أكترث بكونه مداناً أم لا بقدر ما أهتم أن يحظي هو وغيره بتحقيقات حقيقية، وأن يعامل بالقانون، وأن يحكم عليه مثل غيره بالقانون، لكن طريقة القبض علي الرجل كانت (خايبة) وبأسلوب (مهين) من قلب منزله بصحبة نجله، لتسرب الداخلية (كعادتها في مثل هذه القضايا) صورهما وهما في (الكلابشات)، ويطبل المطبلاتية، ويصور المصورون عن مواجهة الفساد، وعن قضايا الاستيلاء علي الأراضي، وعن الحرامية الكبار الذين جاء دورهم، دون أي تحقيق، أو دلائل، أو أحكام نهائية، قبل أن يتضح من المهزلة أن القضية الرئيسية كانت حيازة سلاح !!!! وفي كل الأحوال وجد زملاؤنا في المصري اليوم أنفسهم طرفاً في معادلة لم يكن من اللائق إدخالهم فيها، إذ يكتبون في جريدة يملكها رجل أظهرته الدولة وكأنه شيطان رجيم، ووصلت الرسالة للجميع بأن ذلك غضب من موقف جريدته، وإلي رجال الأعمال بأن دورهم قادم، وإلي الجميع بأنها (قرصة ودن) وبأننا (بلد جامدة) و(دولة قوية)، بينما لم يكن ينقص صلاح دياب إلا أن تلفق له تهمة سد بالوعات الصرف كما تم توجيهها لمن أسمتهم الداخلية بالخلية الإخوانية في الإسكندرية، ليحملوهم سبب كارثة السيول هناك، فيما لم يقل لنا أحد هل تسببت خلايا إخوانية فيما حدث في البحيرة، وغيرها من المحافظات الغارقة، بل والمدن الجديدة التي عانت الأمرين من ذلك مثل مدينة الشيخ زايد مثلاً ؟؟ تزامناً مع الموضوع تم إلقاء القبض علي حسام بهجت الباحث والصحفي بموقع مدي مصر، والمعروف حقوقياً في العديد من الأوساط، بعد نشره تقريراً عن قضية نظرت في المحكمة العسكرية، حرص الكاتب بما عرف عنه من دأب في البحث علي نشر كل أدلتها وقرائنها، ومر عليها وقت قد يصل لشهر كامل لكن تم توجيه طلب استدعاء له، اقتيد بعدها معصوب العينين ليقضي وقتاً محبوساً بأمر النيابة العسكرية، في قبضة المخابرات الحربية ليحدث دوي هائل للقضية وصل لدرجة تصريح من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ردت عليه الخارجية المصرية ببيان من بتوع زمان، لكن لم يجب أحد علي الأسئلة الحقيقية : ما الذي يحدث ؟؟، ومن اختار التعامل بهذا الأسلوب في هذا الوقت؟ لو لم تسمع عما حدث بعدها فهي مشكلة بالفعل، إذ تم تعديل الاتهام الموجه لصلاح دياب وتم إخلاء سبيله بعد (زيطة) و(ردود أفعال) واسعة النطاق، بينما تم إخلاء سبيل حسام بهجت بعد أن صارت مثار حديث الميديا العالمية، علي الرغم من قرار النيابة بتجديد حبسه، ليفرح البعض فيما يهمس البعض الآخر بأن المسألة (بلح)، أو (بطيخ) علي حسب الفاكهة المفضلة لديك، وإن كنت أفضل اعتباره (كاكا)، لأن الرسالة التي وصلت الآن هي : أيوة احنا خفنا.. وهناك فعلاً سلطة تتدخل في النيابة العسكرية لتعدل القرارات، بما يؤكد أنها غير مستقلة !! فيما نعرف أن الذي حدث هو أن (الشيفت) الخاص بالصقور كان قد انتهي، وبدأ (شيفت) الحمائم في الإدارة السياسية المصرية، وكلاهما يعيش بقرب الرئيس الذي يقتنع بأداء الحمائم حيناً، فيصرح تصريحات ممتازة، ويتحرك (خارج الصندوق) ويعد بوعود براقة، ثم يستمع فيما بعد علي الصقور الذين يعرقلون كل شئ، وحين يتدخل الحمائم لتصحيح المسار يصبح الأمر في الوقت الضائع. أزمات مصر لا تحتاج لحمائم أو صقور بالمناسبة، لكن إلي ناس بتفهم يدركون خطورة ما يفعلونه، ويتأكدون أن مباريات الملاكمة ليس شرطاً أن تنتهي بالضربة القاضية، بل يمكن أن تنتهي بالنقط، وأخشي أن النظام يفقد نقطاً ستؤدي لخسارة المباراة ولو بعد حين، فهل من انتصار حقيقي لأحد الفريقين أم سنظل ندفع ثمن الصنايعية الكسر الذين يديرون أزماتنا ؟