عندما يتحدث رئيس الدولة علنا عن مشكلة الغلاء وارتفاع الأسعار، ويعلن ان أجهزة الدولة والجيش ستتدخل لتوفير السلع الاساسية للمواطن بأسعار مناسبة، وان المواطن سيلمس ذلك في نهاية هذا الشهر، وان الدولة لن تسمح بعد ذلك بأن تباع السلع الاساسية بأسعار مغالي فيها. عندما يتحدث الرئيس السيسي بهذه الصراحة والوضوح، فالامر لاينبغي ان يؤخذ علي انه فقط تعامل مع أزمة طارئة، وانما ما ينبغي هو ان تكون هذه سياسة عامة تلتزم بها الحكومة، فتضع العدالة الاجتماعية في أولويات اهتماماتها، وتكون البوصلة الاساسية لقراراتها هو أن تراعي الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل التي مازالت تأمل في ان تصلها ثمار التنمية التي وعدت بها قبل أعوام طويلة، ولم تصلها حتي الآن.. بسبب الفساد وقبل الثورة، وبسبب التحديات الهائلة التي نواجهها منذ يناير التي اسقطت الفساد، وبعد يونيو التي خلصت مصر من فاشية الإخوان. من هنا يأتي السؤال: هل في الوقت الذي تتدخل فيه الرئاسة ويضع الجيش امكانياته لضرب الغلاء وتوفير السلع الاساسية للمواطنين بأسعار مناسبة.. يجوز الحديث عن فرض ضريبة جديدة هي ضريبة القيمة المضافة علي السلع والخدمات.. والتي تمس جميع المواطنين؟! صحيح أن وزير المالية يقول ان التأثير علي الاسعار لن يتجاوز 3٪، ولكن هل لم يسأل أحد: هل بقي عند الفقراء قدرة علي التحمل، ولو بهذه النسبة التي قد تعتبرها الحكومة ضئيلة .. ولكن آثارها علي المواطن الفقير أكبر مما تتصور!! وصحيح ان الظروف الاقتصادية صعبة، والعبء الذي تتحمله الحكومة كبير والعجز في الموازنة اصبح خطرا لابد من التعامل معه، لكن.. هل استنفدنا الطرق الأخري للتعامل مع هذه القضايا بصورة توزع الأعباء علي المواطنين بعدالة، وتلتزم بسياسات أكثر رفقا بالفقراء؟ أم ان سياسة «تدليع» الاثرياء مازالت سارية.. تلك السياسة التي سبق لوزير المالية ان رأي آثارها المريرة حين تم إلغاء الضريبة علي البورصة، وحين تم التراجع عن الضريبة المؤقته التي كانت ستفرض علي اصحاب الملايين بنسبة لاتتجاوز 5٪ ولمدة محددة!! وحين تم تخفيض الحد الاقصي للضرائب، وحين جاء قانون التصالح في جرائم نهب المال العام بدعوي انه سيأتي بالأموال التي تخرج مصر من أزمتها الاقتصادية.. وهو ما لم يتحقق منه شيء لان اللصوص لا يعرفون إلا الطرق المظلمة.. ولن يعيدوا اذا أعادوا إلا الفتات!! والخطر الأكبر الآن اننا امام برلمان قادم سيكون الصوت الاعلي فيه لاصحاب المصالح، ولا ثرياء انفقوا علي حملاتهم الانتخابية الملايين لكي يستعيدوا زمن الفساد الذي اتاح لهم ان ينهبوا بلا حساب، وان يخترقوا السلطة ويجعلوها في خدمتهم، لتكون ثورة يناير هي الجواب علي كل هذا الفساد، ثم لتكون ثورة يونيو هي التصحيح المطلوب حتي لا يرث تجار الدين فساد الحكم الذي أسقطه الشعب، ويعيدون إنتاجه بصورة أكثر انحطاطا. المطلوب الآن قرارات وقوانين تحمي الفقراء الذين لم يسمع صوتهم في البرلمان القادم، ضريبة القيمة المضافة تسير في عكس الاتجاه. رئاسة الدولة تجند كل الامكانيات والجيش يساعد لكي تتوفر السلع الاساسية بسعر معقول، بينما البعض يطمئننا بان الضرائب الجديدة لن تزيد الاسعار الا 3٪.. ثم نتساءل : لماذا لم يذهب الناس للانتخابات؟!