ما حدث في الأسكندرية سيتكرر حتماً هناك وفي بقية المحافظات بصورة أو بأخري طالما ظل التعايش مع الفساد وسوء الاختيار قائماً نتحدثُ كثيراً عن محاربة الفساد ونلعنه في كل كتاب ولكننا لا نفعل شيئاً ذا بال لمقاومته وإنما نتعايش معه وننام في أحضانه!!.. ولو تناولنا فساد المحليات كمثال سنتبين أنه لا سبيل للتخلص من هذا السرطان المتجذر في أعماق الأجهزة والإدارات والمجالس المحلية إلا بالتطهير الشامل.. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو «الي متي سيظل الجيش هو المنقذ في كوارث ناجمة عن تدهور وتآكل البنية الأساسية نتيجة فساد المحليات وتعيين محافظين بلا مؤهلات سوي أنهم من «المحاسيب» وأهل الثقة ؟!!»..دور الجيش هو حماية الحدود والأمن القومي وليس كسح مياه الأمطار وتنظيف قاذورات المحليات، هذه مهمة أساسية للمحافظين والأجهزة المحلية ويتعين معاقبتهم إذا قصروا في إنجازها علي الوجه الأكمل.. المحليات هي كلمة السر في تحقيق أي خطوة إلي الأمام في سبيل توفير الخدمات للمواطنين وتنمية الأقاليم حتي تصبح مكاناً غير طارد لعاطلين وفقراء لا يجدون حلاً سوي شد الرحال إلي العاصمة الأولي أو الثانية ليفاقموا أزمة العشوائيات فيهما ويضاعفوا الأحمال علي مرافق متداعية ومهددة بالإنهيار في أي لحظة.. وما شهدته الاسكندرية مثال حي علي ذلك.. وعلينا أن نعترف بأن ما حدث في الأسكندرية سيتكرر حتماً هناك وفي بقية المحافظات بصورة أو بأخري طالما ظل التعايش مع الفساد وسوء الإختيار قائماً !.. وأخشي أن يلجأ البعض إلي «شخصنة» المسألة وتعليق الجرس في رقبة محافظ مطرود واعتبار رحيله حلاً سحرياً سيعيد الأسكندرية عروساً للبحر المتوسط مجدداً.. فالمشكلة ليست في الرجل فقط ولكنها في مَن عينه وفي معايير ومسوغات هذا التعيين.. وطالما أننا نتجاهل معيار العلم والكفاءة عند اختيار المسئولين فلن نري إلا المزيد من الكوارث.. المحليات تحتاج إلي خبراء في الإدارة والتخطيط ولا يستقيم أن تتحول إلي مجرد مخزن للمحالين للمعاش فقط. وهناك مشكلة جوهرية أخري هي أن الجهات الرقابية التي تبحث وتتحري ثم تبارك الترشيحات لم تسلم من الترهل والعطب والفساد الذي أصاب كل مؤسساتنا وإلا لما تمت الموافقة علي تعيين وزراء ومحافظين غير مؤهلين ومدانين بالفساد.. ودليل ذلك موافقتها علي تعيين محافظ الأسكندرية المُقال رغم أنه يحمل الجنسية الأمريكية. وقبل أسبوع قدمني أحد الزملاء إلي وزير التنمية المحلية أحمد زكي بدر في عزاء فقيدنا الكبير جمال الغيطاني.. وبعد التحية بادرته متسائلاً «ماذا ستفعل في مواجهة فساد المحليات وفشل المحافظين الذريع حتي في مجرد التخلص من القمامة؟!».. وطالبته بضرورة تغيير أغلب محافظي الصعيد بالذات لأنهم نائمون في العسل ولا يفعلون شيئاً لحل مشكلات الناس وخاصة نقص المواد التموينية والوقود والفشل في تسويق محصول القطن.. واقترحتُ عليه تحديد هدف واحد هو التخلص من القمامة وإعطاء المحافظين مهلة محددة ولتكن شهراً أو مئة يوم لتحقيق هذا الهدف.. ومَن يفشل فليسعه بيته.. ونأتي إلي أم المشاكل وهي أننا لا نعرف شيئاً عن «الصيانة» تلك الفريضة الغائبة التي لا يتعاطي معها معظم المسئولين.. فنحن ننفق المليارت علي مشروعات كبري مثل الطرق والكباري والمدارس والمصانع ونتركها للزمن دون صيانة لتحسين آدائها وإطالة عمرها الإفتراضي.. ومع غياب الصيانة الدورية لشبكة الصرف الصحي نفاجأ سنوياً بالأمطار والسيول المدمرة وكأنها تحدث لأول مرة..إنه التخلف والإهمال وفساد المحليات الذي حول حياة المواطنين إلي جحيم وأقام حاجزاً خطيراً ومروعاً بين المواطنين والسلطة.. ومَن يشك في ذلك عليه أن يقرأ جيداً الرسالة الصامتة البليغة التي بعث بها الناس للجميع بإدارة ظهورهم للانتخابات الحالية رداً علي تركهم فريسة لفساد المحليات وغلاء المعيشة، وتجاهل مطالب الحرية والعدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية..