رحم الله أياماً كانت مصر والهند مع يوغوسلافيا التي تفككت بعد رحيل تيتو تمثل القيادة الفاعلة لحركة دول عدم الانحياز، والراعية لحركات التحرر في العالم الثالث الذي كان يمثل معظم سكان الأرض في ذلك الوقت!! ورحم الله أياما كان التعاون بين مصر التي يقودها عبدالناصر، والهند التي يقودها نهرو، تمدان بينهما جسور تعاون يعرف ان المستقبل لأفريقيا وآسيا، وان مرحلة ما بعد التحرر من الاستعمار ستكون أشد وطأة، لأنها تعني إصلاح ما أفسده الاستعمار علي مدي السنين، وتعني أيضا أن اللحاق بالعصر وإقامة الدولة المدنية القادرة علي تحقيق التقدم وبناء النهضة من الصفر.. هو التحدي الأكبر أمام الشعوب التي قهرها الاستعمار ونهب ثرواتها وسد طرق التقدم أمامها!! ورحم الله أياماً كانت فيها كل الجهود معبأة لتعويض سنوات التخلف، وكان ما بين مصر والهند من تعاون يمثل نموذجاً يحتذي في كل المجالات، حتي وصلنا إلي التعاون في انتاج الطائرة «الميج» الحربية بتصريح من موسكو. وكان لمصر أن تنتج «المحركات» وأن تتولي الهند بناء هيكل الطائرة. ثم جاءت هزيمة 67 لتوقف البرنامج، ولتتولي الهند بعد ذلك بناء الطائرة كاملة وتتقدم في صناعة السلاح، قبل أن تتقدم - بعد ذلك - في جميع مجالات الانتاج وتتفوق في البرمجيات، وتصبح قوة اقتصادية يتوقع لها الكثيرون المزيد من التقدم الاقتصادي علي حساب قوي أخري بحجم الصين العملاقة. رحم الله تلك الأيام.. فقد جاءت السنوات السوداء لتجعل 99٪ من مصير مصر في يد أمريكا!! ولتحول مصر إلي دولة استهلاكية، ولتجعل مصر دولة بلا دور، تكاد تغرق في مشاكلها كما غرقت الاسكندرية في مياه الأمطار!! يسعدني الآن وجود رئيس مصر في الهند، ومصر تعود لدورها وتقود التعاون بين الهند ودول افريقيا. وهو الدور الذي غاب طويلاً، والذي لا تستطيع القيام به إلا مصر، بحكم علاقتها التاريخية بالهند، وبحكم حقائق التاريخ والجغرافيا التي تفرض علي مصر أن تكون قائدة التفاعل والتعاون بين افريقيا وآسيا، وأن تكون نقطة الالتقاء بين العرب وشركائهم في القارتين، وأن تؤسس لتعاون مثمر في عالم لم يعد يعتمد إلا علي لغة المصالح. قبل أسابيع أحزنني حديث بعض الرسميين عن أن الرئيس السيسي قد يغيب عن هذا الاجتماع بسبب تزامنه مع الانتخابات في مصر. لم يكن ذلك مقنعاً ولا منطقياً في وقت تخوض فيه مصر معركتها ضد الإرهاب وضد الحصار الذي يريد البعض فرضه عليها!! ولم يكن ذلك مقنعاً في وقت تنفتح فيه السياسة الخارجية المصرية علي كل القوي العالمية بعد أن خرجت من أسر سياسة «99٪ لأمريكا»!! ولم يكن ذلك مقنعاً ومصر تعود لتسترد مواقع تخلت عنها لتحتلها القوي المعادية حتي وصلت إلي اثارة الأزمات مع دول حوض النيل. ولهذا كان وجود السيسي في المؤتمر الهندي - الافريقي ضروريا.. ليقول إن مصر عادت لدورها وأظن أن ذلك سوف يكون بالتأكيد موضع ترحيب من الجميع.. من افريقيا التي فقدت - في غياب مصر - الكثير. ومن الهند التي تعرف - مثلنا - ان استعادة التعاون بين القاهرة ونيودلهي يعني الكثير للطرفين. .. ولسنا - في هذا المجال - نتذكر الماضي فقط.. بل نراهن علي المستقبل.