حتي نتقدم وتتوافر لدينا القدرة علي مواجهة المشاكل وإيجاد حلول لها.. فإنه لا مجال للوقوع فريسة لآفة «دفن الرؤوس في الرمال». ليس خافيا علي أحد أن مسئولينا وغير مسئولينا يعلمون ويدركون ان ما نتعرض له من هذه المشاكل لا تدخل في دائرة المفاجآت.. علي هذا الأساس فإن المشكلة ليست في المشكلة نفسها وإنما الكارثة الحقيقية هي الاصرار علي الالتزام بعدم المبالاة علي أساس انه وعندما تحدث الواقعة يبقي يحلها الحلال. هذا الذي أقوله ينطبق علي الفضيحة التي كانت محصلتها غرق الإسكندرية عروس البحر المتوسط وبالتالي أهلها. ان جميع أهالي الإسكندرية كبيرا وصغيرا يعلمون مواعيد «النوات» التي تزور هذه المدينة الجميلة الرائعة مع بداية الشتاء وحتي نهايته ويحفظون عن ظهر قلب تواريخ حدوثها. ان التعامل مع كل نوة لا يتم منذ عشرات السنين بتاريخها المحدد فحسب وانما تعود الناس علي أن يكون هذا التعامل بالاسم الذي يطلق علي كل نوة. بناء علي ذلك فان أحدا لا يستطيع الادعاء بأن النوة الحالية التي جاءت محملة بالأمطار كالعادة ليست مفاجأة وبالتالي فإنها لاتعد شيئا جديدا وإنما هي أمر واقع ومتوقع. وللتذكرة فإنه يزيد علي ذلك ان هيئة الأرصاد المصرية «فاتها العيب» حيث كانت قد أعلنت وظهر مسئولوها في كل وسائل الإعلام يحذرون وينذرون بقدوم هذه «النوة» الزائرة. في هذا الإطار فإنه ليس مقبولا تبرير الاهمال وانكار الحقيقة تفعيلا للمثل الذي يقول «حجة البليد مسح التختة». الشيء المؤكد ان جميع مسئولينا يعلمون كل جوانب المشكلة التي داهمت الإسكندرية وتهدد أيضا القاهرة وكل عواصم محافظاتنا. انها تتمثل في تعطيل واختفاء بالوعات صرف المياه في شوارعنا.. بعض هذه البالوعات تم ردمها خلال عمليات إعادة رصف العديد من الشوارع عمدا في غياب للضمير والخبرة والمسئولية.. إدراكا لهذه المصيبة فإن علينا أن نتذكر ما كان يحدث في الماضي ومنذ عدة عقود خاصة في الإسكندرية مدينة الأمطار المناخية. كانت أمطار «النوات» في الشتاء تنهمر عليها ليل نهار ولكن بالوعات الشوارع كانت تمارس مهامها بكفاءة عالية في سحب المياه خلال ساعة أو ساعتين. المسئولون سواء في الدولة أو في الإسكندرية علي دراية وعلم بلب المشكلة وان هيئة الصرف الصحي تتحمل مسئولية عدم قيامها بمهمة صرف مياه الأمطار. إذن فإن حماية الإسكندرية أو القاهرة أو أي مدينة بالجمهورية مرهون بفاعلية عمل بالوعات الشوارع المعطلة. زاد من الطين بلة ان الكثير من الشوارع الجديدة قد تم إنشاؤها دون بالوعات. إذن فإن لا حل لكارثة الإسكندرية الفضيحة وغيرها من الكوارث التي لا تتوقف سوي بالتخلص من آفة «دفن الرؤوس في الرمال».. لا حل لهذه المصائب الثقيلة سوي بالمواجهة الحاسمة لهذا الداء المتأصل.. طبعا فإن العلاج الجذري لا يتم بالتصريحات والاعلانات والتحركات الانفعالية وإنما هو يحتاج إلي تكاليف مالية. السبيل الوحيد لضمان عدم تكرار هذه الكوارث والفضائح هو تفعيل المثل العامي الذي يقول «اطبخي يا جارية كلف ياسيدي».. ليس هذا فحسب وانما لابد أيضا من ان يصاحب ذلك وقفة حقيقية وفاعلة مع الفساد وغياب الضمير .