زيارة بشار لموسكو أكدت أن نظامه ليس فى عزلة عن العالم لم تعد الضربات الجوية الروسية في سوريا هي محور حديث العالم كما كانت قبل اسبوع بعد ان ظهر الرئيس السوري بشار الاسد مصافحا الرئيس الروسي بوتين في الكرملين ليضع كل الاطراف الدولية والعربية المنغمسة في وحل الحرب السورية في مأزق بعد ان اصبحت دفة تقرير المصير في يد روسيا. لم تكن الصدمة هي الظهور المفاجئ للرئيس بشار للمرة الاولي منذ اندلاع الثورة في زيارة رسمية خارج حدود سوريا وانما الرسالة الأقوي وجهها الرئيس بوتين الذي اجبر العالم علي المتابعة وربما الموافقة علي خططه المستقبلية لحل الأزمة السورية وانهاء الصراع. فلم تمض ساعات قليلة علي اللقاء التاريخي بين الرئيسين حتي خرجت امريكا للاعلان عن نتائج اجتماعاتها الرباعية في فيينا بمشاركة السعودية وروسيا وتركيا للتباحث حول الدور الايراني في الملف السوري ومستقبل التسوية. وهنا اختلفت الرؤي بين الأطراف الأربعة فالسعودية وأمريكا ترفضان بقاء بشار في أي تسوية مقبلة بينما تتحدث روسيا عن بقائه لفترة انتقالية مدتها سنة ونصف يجري خلالها انتقال للسلطة عبر انتخابات رئاسية جديدة. واستكمالا لدور الريادة الروسية الذي رسمه بوتين بإحكام في وجه التغول الأمريكي في ازمات وحروب الشرق الأوسط اشرك بوتين كلا من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الاردن عبد الله الثاني في نتائج مباحثاته مع بشار الأسد وعلي رأسها العمليات العسكرية الروسية في سوريا، وعمليات محاربة الجماعات الإرهابية، ودعم العمليات الهجومية للقوات المسلحة السورية. تلك الصورة التي اعقبتها موجة عاصفة من التصريحات الغاضبة لزعماء العالم من فكرة ظهور الاسد وبوتين بتلك القوة في الوقت الذي كان من المفترض ان يترنح فيه النظام السوري وهو يعيش اخر ايامه ، بينما ظهرت روسيا في مكانة الزعامة وهي الدولة المنبوذة التي تعيش في غياهب العقوبات الدولية التي فرضتها عليها أمريكا واوروبا بسبب الأزمة الأوكرانية. وبعيدا عن الرفض العالمي للدور الذي تلعبه روسيا في سوريا فإن الزيارة قلبت الموازين حيث اظهرت تنامي الشعور بالثقة لدي الرئيس السوري ونبهت العالم إلي أن أي تسوية دبلوماسية ستطرح لحل الصراع السوري ستأتي عن طريق موسكو، وأن الأسد يجب أن يكون جزءا من أي تسوية انتقالية في الوقت الحالي. في الوقت الذي تقوم امريكا بجولات مكوكية في أوروبا لكسب التأييد الدولي لمبادرتها المطروحة لتسوية الأزمة السورية والتي ليس للرئيس السوري بشار الأسد مكان فيها. ومع ذلك فإن هذا التباين الواضح في الموقفين الأمريكي والروسي بشأن مستقبل الأزمة السورية والذي أعاد اجواء الحرب الباردة بين الطرفين فهو لم يمنعهما من توقيع مذكرة تفاهم حول ضمان سلامة طيران الجانبين لعدم وقوع حوادث أثناء التحليق والطلعات الجوية في الأجواء السورية. هذه الطلعات التي يتباين فيها ايضا موقف الدولتين فروسيا تساعد الجيش السوري لاستعادة السيطرة علي الأراضي التي فقد السيطرة عليها في حماة وإعادة حدودهم إلي مدينة جسر الشغور، والحدود التركية بدعم عسكري إيراني، وغطاء جوي روسي. أما أمريكا فتنفذ غاراتها الجوية بحجة القضاء علي داعش ودعم المعارضة ومن خلال متابعة التحليلات العسكرية التي اعقبت الضربات الروسية علي سوريا التي وصلت لاكثر من 60 طلعة جوية يومية سنجد أن روسيا ومن قبلها أمريكا ليسوا معنيين علي الإطلاق بالقضاء علي داعش بقدر اهتمامهم بتحقيق مكاسب سياسية وميدانية تخدم مصالح الطرفين. فوفقا للرواية الامريكية معظم الضربات الروسية تستهدف بالأساس مواقع المعارضة السورية وليس المناطق الواقعة تحت سيطرة تنظيم داعش. مما يعني ان روسيا تريد تعزيز فرص بقاء نظام الأسد واستعادة سيطرته علي ما فقده من مناطق غرب دمشق. بينما تسلح امريكا كل من قوات المعارضة وداعش في الوقت ذاته لضمان استمرار الصراع بما يحقق مصالحها في العراقوسوريا والمنطقة بأسرها. فأمريكا لا تدعم المعارضة السورية حتي تنتصر. وهي لا تريد في الوقت ذاته ان تحدث بينها وبين روسيا حرب مباشرة بخصوص سوريا، لذا فهي تساعد السعودية في زيادة الأسلحة التي تدعم بها قوات المعارضة مع التأكيد ان هذا السلاح لا يصل بالضرورة لأيدي المعارضة. ومع الحديث عن زيارة مماثلة مرتقبة سيقوم بها الرئيس السوري لإيران اصبح حل الازمة السورية هو المستحيل بعينه لأنه في الحقيقة مرتبط بانتهاء الصراع السني -الشيعي الذي أشعلته أمريكا منذ غزوها للعراق قبل سنوات والذي لن تنهيه قبل تنفيذ مخططاتها لتقسيم الشرق الأوسط سواء فعلتها داخليا بأكاذيب تحقيق الديمقراطية او خارجيا بأياد داعشية او ايرانية او حتي روسية، تعددت الأسباب والهدف واحد!