منذ أكثر من عشرين عاما أتاح لنا تقاعد الاستاذ وجدي قنديل عن منصبه الرسمي كرئيس تحرير آخر ساعة وانتقاله كاتبا بجريدة الأخبار أن يكون مكتب الرجل مجاورا لمكاتبنا في المبني الصحفي، بدأ التعارف عن قرب في مكتب الراحل فاروق الشاذلي شيخ المحررين العسكريين، كنا نجلس لنستمع إلي تحليلات الرجل السياسية والعسكرية في قضايا الساعة آنذاك، كنا كالتلاميذ في حضرة الأساتذة ننهل من خبراتهم ونتمني أن تعود أيام الصحافة الجميلة التي عاشوها حتي صاروا يساهمون - أحيانا- في صنع الاحداث وليس مجرد رصدها. أتذكر من حكايات الاستاذ وجدي قنديل رحمه الله رحلته التي سبق فيها الزعيم الراحل إلي سوريا لتوقيع وثيقة الوحدة عام 1958 وكيف كان يستمع له الرئيس راويا مشاهداته التي عاشها بين صفوف الشعب السوري باعتباره صحفيا مصريا جاء ليشارك في نقل نبض الشارع السوري وتغطية الاحتفالات بالوحدة. اكثر من ستين عاما قضاها الكاتب الكبير بين جدران دار اخبار اليوم أو تحديدا بين جدران اخر ساعة وهي الام التي انجبت اخبار اليوم ثم الاخبار وغيرها من الاصدارات. ومن جدران اخبار اليوم المحدودة إلي العالم العربي والافريقي والاوروبي والامريكي كانت جولات وجدي قنديل التي صنع خلالها علاقات متميزة مع كل النظم السياسية العربية سواء في منطقة الخليج العربي أو غرب مصر وتحديدا شمال افريقيا، ولذا لم يكن غريبا ان يحقق وجدي قنديل انفراداته الصحفية وهو الذي يكتب في مجلة اسبوعية ولكن كان لديه من المصادر ما يمكنه من تحقيق الانفراد. واذا كانت الصحافة هي لهيب من الانفاس اللاهثة وراء الخبر والقصة الخبرية فقد كان من الضروري أن يصاحب هذا اللهيب نسيم يخفف عن تأثيره وجبروته علي أصحابه، لقد كان الراحل وجدي قنديل أحد نسائم الصحافة التي ترطب الاجواء المشحونة والسعي اللاهث نحو اللحاق بالمطبعة والتميز وتحقيق الانفرادات. كان دقيقا للغاية فعند تسلم من مقاله الاسبوعي وجهة نظر ويومياته للاخبار اذكر انه كان يكتب صفحة فلوسكاب مسطرة يكتبها عن آخرها ويلحق بها صفحة اخري بها سطران فقط وبعد ان تم تعديل بنط الحروف اصبح يكتب صفحة تنقص سطرين حتي لا يتجاوز المساحة المخصصة للمقال. تجسدت فيه دماثة الخلق وهدوء الطباع والصوت وأن يستمع اكثر مما يتكلم. رحم الله الاستاذ وجدي قنديل فقيد الصحافة المصرية والعزاء لنجله الاعلامي عمرو قنديل المذيع بالتليفزيون المصري وألهم ذويه ومحبيه وتلاميذه الصبر والسلوان.