وبعد حالة التخبط التي أعقبت إعلان المخابرات الأفغانية عن وفاة الملا عمر قبل عامين في أحد مستشفيات كراتشي بجنوب باكستان أكدت الحركة وفاة زعيمها ونعته في بيان ثم اصدرت بيانا آخر أعلنت فيه مبايعتها لنائبه «أخطر محمد منصور» أميرا جديدا للحركة مع اختيار نائبين له هما سراج الدين حقاني الذي تضع الولاياتالمتحدةالامريكية مكافأة 10 ملايين دولار لقتله وهيبة الله أخوندازا رئيس محاكم طالبان السابق. فيما يعد أول تداول للسلطة في حركة طالبان التي أسسها وقادها الملا عمر ما يقرب من 20 عاما. ويواجه الأمير «الطالباني» الجديد مهمة صعبة ان لم تكن مستحيلة وهي الحفاظ علي وحدة طالبان واستمرارها وعدم انشقاق اعضائها في ظل تنامي نفوذ داعش وحالة العداء التي يحظي بها منصور داخل طالبان نفسها ، فرغم ان منصور كان النائب الذي يحظي بثقة الملا عمر إلا أنه يواجه حربا داخلية من بعض أعضاء المجلس الحاكم لحركة طالبان، ومجلس الشوري الذين يتهمونه بأنه رجل باكستان وأنه خدعهم طوال عامين لعلمه بوفاة الملا عمر ورغم ذلك كان يرسل لهم بالتعليمات والخطابات علي لسانه وآخرها رسالة التهنئة بعيد الفطر في منتصف الشهر الماضي والتي عبر فيها عن دعمه لمحادثات السلام التي تجري بين الحركة والحكومة الأفغانية، معتبرا أنها «شرعية». هذه الحالة من الانقسام بين مقاتلي طالبان ليست حديثة العهد ولكنها ظهرت بوضوح عام 2010 عندما مزق شباب من مقاتلي الحركة في أفغانستان رسائل مجلس شوري الجماعة المعروف ب»كويتا « الذي يدير شئونها من باكستان حيث يري الكثير من المقاتلين علي الأرض في أفغانستان أن قادتهم تركوهم يعيشون في ظروف معيشية قاسية ومهددين بالموت كل يوم بينما ينعمون هم بالراحة في باكستان. أصحاب هذا التوجه في الحركة كانوا يؤيدون إختيار نجل الملا محمد عمر «الملا يعقوب» (26 عاما) ليخلفه في قيادة طالبان وهناك كثير من التكهنات التي تشير إلي احتمال نشوب صراع بين الفريقين ربما تكتب نهاية طالبان للأبد ولكنها في الوقت نفسه تعني دخول أفغانستان في نفق مظلم جديد نتيجة حرب أهلية جديدة ستبدأها طالبان. سبب آخر يدعو للتكهن بانتهاء الحركة هو أن الملا عمر كان بمثابة الأسطورة والمرشد الروحي لطالبان والذي فرض بالقوة قوانينه الخاصة وصنع الاسطورة والايديولوجية التي تحكم طالبان. وبعد فراره من قندهار لم يظهر قط للاعلام حتي انه اطلق عليه اسم القائد الشبح وهذا يعني انه بغض النظر عن وجود الملا عمر من عدمه فان طالبان كانت تعتمد عليه كاسم واسطورة لتبقي علي وحدة مقاتليها. والآن بعد وفاته اصبح الامر شبه مستحيل. والأسباب كثيرة أهمها علي الإطلاق داعش التي سحبت البساط بالفعل من تحت أقدام طالبان حيث انشق الكثير من مقاتليها عن الحركة للانضمام لصفوف داعش الأكثر تأثيرا والأكثر شهرة. وبقراءة متأنية لتاريخ وفاة الملا عمر سنجد أنه مات قبل تأسيس داعش لذا لم يضع للحركة أية خطط لمواجهة انشقاق مقاتليها. ويجدر الإشارة هنا لمحاولة حركة طالبان تمجيد زعيمها في ابريل الماضي عندما نشرت سيرة ذاتية مفصلة لزعيمها الملا محمد عمر وقالت أنه يشارك بشكل نشط في «الأعمال الجهادية»في خطوة كان هدفها مواجهة تزايد نفوذ داعش بين عناصرها بعد ان شهدت حركة طالبان انشقاق عدد كبير منهم في الأشهر الأخيرة بسبب استيائهم من زعيمهم الذي لم يشاهدوه منذ الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001. وبالنسبة لداعش فإن وفاة الملا عمر هي فرصتها الذهبية لضم المزيد من المقاتلين المدربين إلي صفوفها مع تعدد جبهات القتال في العراق وسوريا وليبيا وربما تسير الامور في اتجاه كارثة اكبر بتغير ولاء طالبان ومبايعتها لابي بكر البغدادي واعلان ولاية داعش في افغانستان خاصة مع وجود عدد كبير من مقاتلي طالبان الذين يرفضون عملية السلام مع الحكومة. علي الجانب الاخر يري المتفائلون في الأمير الجديد «منصور» فرصة جيدة امام طالبان للتصالح مع الدولة وان تصبح جزءا من العملية السياسية في أفغانستان. ومع تأجيل جلسة المفاوضات الثانية التي أرجأتها الحركة بسبب إعلان وفاة الملا عمر أصبحت الكرة الآن في ملعب الامير الجديد ، فهل سينجح في توحيد صفوف طالبان لاعادتها للمشهد الأفغاني كشريك سياسي في الفترة القادمة أم سيكتب نهاية حركة طالبان للأبد وميلاد طالبان الداعشية؟