ربما صدق البعض ان امريكا تشن حربا مقدسة لتحرير العالم من ارهاب داعش الذي أصبح له كيان قائم يمثل دولة الارهاب ويمتد علي نصف مساحتي العراقوسوريا. وربما اقنع هؤلاء أنفسهم ان امريكا بكل امكانياتها الاستخباراتية والتي تتجسس علي العالم كله حفاظا علي أمنها القومي وبكل اسلحتها المتطورة لا تستطيع هزيمة تنظيم شيطاني لم يكن تعداده يصل لكتيبة في جيش. وصدق الجميع مبررات اشعال جبهة اخري لحرب أمريكا المزعومة ضد الارهاب مع حلفاء من 60 دولة يحاربون سرابا.. وبدلا من ان نسمع انباء القضاء علي داعش تخرج التقارير الامنية بنتائج عكسية وهي تتحدث عن ازدياد قوة التنظيم وزيادة خطره علي العالم. هذا الواقع المرير جعل التنظيم يخرج من حدود عملياته في سورياوالعراق وليبيا ليضرب الكويتوتونسوفرنسا في يوم واحد ليقتل اكثر من 60 شخصا ويصيب المئات والعالم يتابع في ذهول. وإذا كان التنظيم لم يعلن سوي مسئوليته عن حادثة مسجد الإمام الصادق الخاص بالشيعة في الكويت إلا أن بصماته واضحة في حادثتي تونسوفرنسا. فتونس تدفع ثمن زيادة نفوذ التنظيم في ليبيا من ناحية ومبايعة المنشقين عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب لداعش في الجزائر من ناحية أخري وعلي رأس هؤلاء المنشقين جماعة "المرابطون" الجهادية بزعامة الجزائري مختار بلمختار الذي ينشط في منطقة الساحل والصحراء, والذي نفذ العديد من الهجمات علي مواقع الجيش المالي كما هاجم القوات الفرنسية التي شاركت في حربها علي الجماعات الجهادية في شمال مالي. وقبل يوم واحد من تفجير سوسة الارهابي أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع التونسية عن تعزيز وتأمين الحدود الشرقية مع ليبيا عسكريا وأمنيا تحسبا لتهديدات محتملة. وفي الوقت نفسه نفي وجود تهديد من الجانب الليبي للتراب التونسي, ومع ذلك تكررت الهجمات الإرهابية في أحد أهم منتجعات تونس التي أصبحت في مرمي نيران داعش التي باتت قريبة من الحدود التونسية علي الجانبين الليبي والجزائري. اما الكويت فقد دخلت للمرة الاولي دائرة الحرب علي داعش ودائرة أخري اكثر قتامة هي الحرب الطائفية بين الشيعة والسنة التي تستهدف دول الخليج بعد ان قامت داعش بتفجيرين مشابهين في مسجدي القديح والعنود في السعودية منذ شهر. وأصبح شعار الحرب علي "الروافض المشركين"( هكذا تسمي داعش الشيعة) واستهداف مساجدهم أحد اهداف التنظيم. وأمام دعوات "داعش" لتصعيد الهجمات في رمضان علي المسيحيين والشيعة والسنة الذين يقاتلون مع الولاياتالمتحدة اتسعت رقعة الارهاب في غياب كامل لآليات مواجهة حقيقية في دول المنطقة التي تعتمد بشكل كلي علي أمريكا وعملياتها غير المؤثرة ضد التنظيم حتي الآن. ويبدو ان هجمات الجمعة كانت تلبية لتلك الدعوات خاصة وأنها وقعت في وقت واحد. وفي فرنسا أعلنت حالة الاستنفار القصوي بعد الهجوم الذي وقع علي مصنع للغاز بمنطقة "إيزير" جنوب شرق فرنسا عندما اقتحم منفذ الهجوم المصنع وهو يرفع علم تنظيم الدولة الإسلامية وفجر عددا من قوارير الغاز علي أمل ان ينفجر المصنع المملوك لشركة امريكية. ويأتي هذا الهجوم بعد 6 أشهر علي اعتداءات باريس التي وضعت فرنسا في مرمي ضربات التنظيم نتيجة لعملياتها العسكرية في مالي وحربها ضد التنظيمات الجهادية في الشمال الافريقي. ورغم التدابير الامنية التي اتخذتها فرنسا إلا أنها لم تتخلص بعد من فكر التنظيم المتطرف والخلايا النائمة الموجودة علي اراضيها. وقبل ان تكتمل التحقيقات التي تجريها كل دولة حول ملابسات الحوادث الثلاثة ياتي هذا الاستعراض الداعشي للقوة بعيدا عن العمليات الدائرة في العراقوسوريا ضمن احتفالات التنظيم بالذكري الاولي لنشأة دولة الخلافة المزعومة التي يبدو أنها لن تختفي قريبا طالما بقيت الدول الراعية للارهاب تدعم داعش في السر وتقاتله في العلن.