يتيح العمل الصحفي لقاء رؤساء دول وقيادات شتي، وقبل أن أتناول تجارب لقاءات بعضها عن قرب والبعض الآخر عن بُعد مع بعض رؤساء الولاياتالمتحدة، أريد هنا أن أذكر تجربة شخصية لي مع الرئيس أنور السادات.. وتشهد علي هذه التجربة السيدة الفاضلة جيهان السادات حيث كان لها دور في هذه التجربة التي مازلت وسأظل أعتز بها. واسمحوا لي أن أتناول هنا جانبا شخصيا من حياتي حيث كان والدي وهو مهندس هو مدير عام خط سيناء فكان مسئولاً عن السكك الحديدية في منطقة القناة وسيناء.. وكان يعشق مدينة بورسعيد فكان للأسرة كل عام شهر إجازة علي شاطئ هذه المدينة الجميلة.. وبعد العدوان الثلاثي وعندما بدأ محافظ بورسعيد في إعادة تعمير الشاطئ وبناء فيللات جديدة قال لوالدي: «لابد أن تكون أول مستأجر..» وبالفعل تم ذلك فكانت الشمسية التي توضع لنا كل صباح وحيدة في منطقة مازالت تحت البناء، وبعد مرور أسبوعين اكتملت الفيللا المجاورة.. وكان الساكن هو أنور السادات الذي كان في ذلك الوقت وكيلاً لمجلس الشعب وكانت الشمسية الخاصة به وبأسرته توضع بالقرب من الشمسية الخاصة بنا.. وكنت كل صباح كما تعودت أول من يجلس تحت الشمسية في انتظار والدي الذي لابد أن يطّلع علي الصحف قبل أن يصحبنا أنا وأخواتي للسباحة وذلك حيث إنه كان يجيد السباحة. وفي انتظار الوالد وأسرتي كنت أمارس هوايتي المفضلة بقراءة الكتب الفرنسية.. وبعد تبادل تحية الصباح مع الرئيس أنور السادات سألني عن اسمي.. ثم قال لي: «لماذا تقرئين باللغة الفرنسية؟ ألا تعرفين اللغة العربية..». وجاء ردي بسرعة: «إنني أستطيع قراءة اللغة العربية لأنني أتلقي دروساً خاصة من الشيخ أحمد الأستاذ بالمعهد الأزهري بالزقازيق حيث نقيم لأن والدي حريص علي أن أجيد لغة بلدي لأن مدرستي الفرنسية دروسها ضعيفة جداً فيما يتناول اللغة العربية». وضحك محدثي وفي اليوم التالي أحضر لي بعض الكتب باللغة العربية ومنها كتاب «فلسفة الثورة» وقال: «هذه كتب مهمة لابد لك أن تطلعي عليها..». وشكرته ومرت الأيام ومع اقتراب موعد السفر أحضرت مثل كل فتاة في سني الأوتوجراف الخاص بي وطلبت منه أن يكتب لي كلمة للذكري.. وكتب: «ابنتي العزيزة ثناء.. أرجو من الله أن يجعل من حياتك قدوة وسعادة وهناء..» وقام بالتوقيع. في باريس ومرت الأيام وانتقلنا إلي القاهرة ومرت سنوات وعندما قام أنور السادات بعد توليه الرئاسة بزيارة باريس وكنت في ذلك الوقت أعمل كمديرة للعلاقات العامة بوزارة الإعلام كلفني الوزير القديركمال أبو المجد بالذهاب إلي باريس لتولي المساعدة في الإشراف علي المركز الصحفي الذي أقيم بالعاصمة الفرنسية لتغطية زيارة الرئيس. ومرت سنوات أخري وانتقلت إلي الولاياتالمتحدة وكلفت بالعمل كمراسلة لدار «أخبار اليوم».. وكانت هناك زيارات مهمة للرئيس السادات في عهد الرئيس كارتر إلا أنني لم أذكر لأي شخص أنني قابلت الرئيس شخصياً أكثر من مرة وكنت قد حرصت علي الاحتفاظ بالأوتوجراف الذي أعتز به.. وفي ربيع عام 1981 قامت السيدة جيهان السادات بجولة في الولاياتالمتحدة لتعريف الأمريكيين بمصر وأطلق علي الجولة اسم «مصر اليوم» وكلفت من دار «أخبار اليوم» بمتابعة الزيارة حيث انتقلنا من واشنطن إلي هيوستن وإلي شارلوت وغيرها من المدن الكبري.. وكان هناك ترحيب منقطع النظير بالسيدة جيهان السادات وكان مجرد ذكر اسم السادات يشعل بالتصفيق أي قاعة.. وأقيمت معارض وعرضت أفلام، أي أن الجولة كانت مهرجاناً مصرياً رائعاً. حديث مع چيهان السادات وأثناء وجودنا بهيوستن طلبت من السيدة جيهان السادات إجراء حديث معها نشر بعد ذلك بمجلة «آخر ساعة».. وقبل أن أغادر حجرتها بالفندق الذي تقيم به قلت لها: أريد أن أطلعك علي شيء».. وفتحت الأوتوجراف لتقرأ ما كتبه لي الرئيس السادات.. وقالت لي بحماس: «لابد أن يري الرئيس هذا الأوتوجراف.. إننا سنحضر في نهاية شهر يوليو إلي واشنطن ولابد لك أن تطلعيه عليه». وفي نهاية شهر يوليو 1981 كان الرئيس السادات وحرمه في زيارة رسمية لواشنطن وكان يقيم بقصر بلير هاوس المواجه للبيت الأبيض.. ونظراً لأن مساحة القصر محدودة لم يكن من المسموح بتواجد ممثلي الصحافة والإعلام بداخله.. ولحسن الحظ وقع الاختيار عليّ لأكون بمثابة حلقة الصلة فيما بين جميع ممثلي الإعلام من جميع أنحاء العالم. وكنت أقضي الوقت بالجلوس في البهو الرئيسي للقصر لمتابعة الاجتماعات التي تجري بصالون خاص بالرئيس وأنتهز الفرصة لأحصل علي تعليق أو توضيح حول ما يجري سواء من الجانب المصري أو الجانب الأمريكي.. وكنت أخرج من وقت لآخر لتسليم الزملاء أي تصريحات رسمية وكذلك لأقوم بأداء عملي بتقديم الأخبار لدار «أخبار اليوم».. وكان للسيدة جيهان السادات برنامج مختلف عن برنامج الرئيس ولم أكن مكلفة بمتابعة نشاطها.. وعندما لمحتني السيدة جيهان السادات داخل بلير هاوس بادرت بسؤالي عما إذا كنت قد أحضرت الأوتوجراف.. ومع مرور الأيام للزيارة كانت تعاود سؤالي عما إذا كنت قد أطلعت الرئيس علي الأوتوجراف. آخر زيارة لواشنطن وفي اليوم الأخير وقبل أن يتوجه الرئيس لحضور مؤتمر صحفي كان قد دعا إليه اتهمتني السيدة الفاضلة بأنني مقصرة ثم نادت علي الرئيس وهنا قدمت له الأوتوجراف الصغير وكان السفير أشرف غربال موجودا معنا.. وهنا ضحك الرئيس السادات ضحكته المشهورة وقال لي: «آسف لأنني لم أتعرف عليك.. وأريد أن أقول إنني سعيد ولكني غيرت طريقة توقيعي وبالتالي فإنني سأوقع الأوتوجراف مرة أخري لأؤكد لك أنني مازلت أدعو لك بالتوفيق..» وكدت أطير فرحاً ووقف الزميل المصور محمد رشوان ليلتقط لي صورة تذكارية مع الرئيس. وأعتقد أن الصورة مازالت في أرشيف الرئاسة مع الصور التي التقطت لآخر زيارة قام بها الرئيس السادات لواشنطن. وللحديث بقية عن السادات ورؤساء الولايات المتحدة