إختار رؤوف مسعد الاستمرار في التمرد في الحياة لكن في الفن الذي استقر عليه. الرواية التي هي الحياة الحقيقية للبشر !. ولم يتوقف. هو واحد من أكبر كتاب الرواية في العالم العربي الآن. وهو لمن لايعرف أحد المعارضين اليساريين من عصرعبد الناصر. ذاق مرارة السجن مع غيره من الشيوعيين والمفكرين. ترك مصر إلي العالم العربي وغاب طويلا. استقر به المقام في لبنان ليعود منها بعد غزو بيروت عام 1982 بكتابه الرائع « صباح الخير ياوطن « عن الحرب اللبنانية والغزو الإسرائيلي. تعاون مع أسرة المناضل شهدي عطية الشافعي المقتول في سجون عبد الناصر في تأسيس دار نشر باسم شهدي لنشر الإبداع الجديد لكنها لم تستمر طويلا.غادرنا إلي أوربا ليعيش في أمستردام في هولندا. كان رؤوف قد أصدر في الستينات مسرحيته التي كتبها في السجن وترجم مسرحية أخري وقبل أن تذيع مقولة زمن الرواية فاجأنا براويته الكبيرة « بيضة النعامة « لم تكن المفاجاة أنه يكتب رواية , فهو الكاتب الكبير صاحب الموهبة الكبيرة في الإبداع يستطيع أن يكتب الرواية. وفي العالم كله الموهوبون يبدعون فيما يشاءون إلا في مصرلايعترف لمبدع إلا بجنس واحد من الإبداع. وهذه آفة البيروقراطية الفكرية أو تجلي الدولة المركزية حتي في تناول الإبداع !. كانت المفاجاة أن هذه الرواية ليست مثل ما اعتدنا. الجنس فيها ليس مجرد ملمح من ملامح شخصياتها بل هو أصل حياتها ومحورها وأملها. بالطبع قراءات رؤوف في الأدب العالمي لها تأثير أن يختار هذا المنحي. لكن كغيره من الكتاب في العالم الذين دارت رواياتهم حول الجنس – هنري ميللر مثلا – يعرف الفرق بين التجلي الجنسي في آفاقه الروحية وبين مشاهد الجنس – البورنو - التي لا تصل إلي شيء. إختار رؤوف مسعد الاستمرار في التمرد في الحياة لكن في الفن الذي استقر عليه. الرواية التي هي الحياة الحقيقية للبشر !. ولم يتوقف. كتب بعدها «مزاج التماسيح « ثم «إيثاكا «ثم مجموعة من القصص التي نشرها متفرقة بعنوان «الغرباوية» وروايتين أخريين. وهكذا صار لدينا كاتب كبير له طريقته في استقبال الحياة وفهمها من خلال محرك أساسي في البشرية تتفق أو تختلف معه وهو الجنس , إلا أنه جعل منه روحا تتجلي في إشراقات صوفية أحيانا وتتدني إلي الحياة المتوحشة للمحرومين. للأسف ظل رؤوف بعيدا عن اهتمام وزارة الثقافة به وبأعماله فلم يحدث أن تم ترشيحه يوما إلي إحدي جوائز الدولة ولا إلي مؤتمر الرواية الذي تقيمه وزارة الثقافة. ولاعقدت ندوة حول أعماله.طبعا سيكون الرد سهلا أن وزارة الثقافة لا تستطيع طبقا لما هو جار في حياتنا أن تعرض نفسها للاتهام بأنها تحتفي بكاتب جنسي. وهو ليس بكاتب جنسي. لكنه كاتب يري الجنس في حياة البشر مدخلا إلي فهمهم السياسي والاجتماعي والثقافي. وبعيدا عن أن فرويد أول من قال ذلك فلا يجب الاحتماء بأقوال أحد , لكن الاحتماء هو بفن الرواية. هل ما يكتبه رؤوف روايات أم لا ؟ والإجابة لأي فاهم للأدب ولفن الرواية أن ما يكتبه روايات حقيقية وعظيمة ورائعة. النقد الأدبي حرية. أعرف ذلك ولم يحدث أني لمت ناقدا علي عدم كتابته عن فلان أو علان ولا حتي عني. فكما أن المبدعين أحرار فالنقاد أحرار لكن وزارة الثقافة ليست حرة إلي الدرجة التي تتجاهل فيها إبداع كتاب كبار ولا تحتفي بهم مثل رؤوف مسعد الذي تعد الحفاوة به حفاوة بالتجديد وإعلاء لصوت الحرية في مجتمع يحارب التخلف أو يحاربه التخلف فلا فرق.لقد تمرد رؤوف علي حياته وهو ابن لقس بروتستانتي وشارك مبكرا في الرفض من خلال الحركة الشيوعية , ثم عاد يتمرد علي المواضعات الأدبية السائدة ويخترق حجب التخلف. لكن لايزال حول المتمردين في مصر ماء آسن كبير.