فلما كانت الليلة الثالثة والثلاثون.. قالت شهرزاد، كانت الشرطة يا مولاي تحاصر المكان، والفتاة تصرخ وتولول وتندب خيبة حظها. قال دعيهم بالخارج، لا تفتحي لهم حتي لو حطموا الأبواب. ضحكت شهرزاد ثم قلقت والتفتت تجس حرارة الملك الهمام، وسألته: ليسوا علي بابنا يا ملك الزمان. ولكنه لم يرد، مستغرقًا في القراءة علي الآيباد سارح الفكر مهموم الفؤاد. قالت مولاي: أحكي لك عن فتاة الزمالك التي ضبطتها الشرطة مع شاب في بيت خادمتها بامبابة، وهذه مجرد حكاية. قال فقدت كياستك يا ابنة الوزير، ولم تفهمي سبب الخلط الذي وقعت فيه، أنا مشغول بمصير الرئيس منصور، ثم أنشد من شعر الفرزدق يقول: أبَي الحُزْنُ أن أنسَي مَصَائبَ أوْجعتْ صَمِيمَ فُؤادٍ كَانَ غَيرَ مَهينِ وَمَا أنَا إلاّ مِثْلُ قَوْم تَتَابَعُوا علي قَدَرٍ مِنْ حَادِثَاتِ مَنُونِ ولَوْ كانَتِ الأحداثُ يَدفَعُها امرُؤٌ بَعِزٍّ لمَا نَالَتْ يَدِي وَعَرِيني بحلقت شهرزاد في الآيباد فوجدته يقرأ خبر محاصرة الحوثيين لقصر الرئاسة في اليمن، وغموض مصير الرئيس عبد ربه منصور هادي. وانفجرت في ضحكة من تلك التي تضحكها بنات أقدم مهنة في التاريخ، فاستشاط شهريار غضبًا، وقال قسمًا لا أنفيك إلا للمريخ. قالت عفوًا يا مليكي الفشيخ، لكن أضحكتني صورة الميلشيات التي تحاصر القصر، إنها فضيحة من فضائح هذا العصر. ألم تتأملهم يا مولاي؟ إنهم مجموعة من الصبية الطراي، يقفون برشاشاتهم ومدافعهم الصغيرة بلا احتراف ولا غطاء نيران من أي مكان، سرية واحدة كانت تكفي لمحوهم. أإلي هذا الحضيض وصل جيش اليمن السعيد؟ العرب يا مولاي يعيدون تاريخ ملوك الطوائف. ولا يصلح مع كل بلد وجيش ينهار أي ندم حتي لو تدفقت الدموع أنهار. يصلح فقط ما قالته عائشة الحرة لابنها أبو عبدالله "ابك كالنساء ملكًا لم تحافظ عليه كالرجال". زعق شهريار: أعوذ بالله من هذا الفال. وألقي بالآيباد علي طول يده، وقال دعينا من اليمن الحزين وفردوس الأندلس المفقود، وعودي إلي إمبابة التي فلقتها زغرودة أم الشرور. قالت: ها أنت تذكرت يا ملك العصر والآوان. يقولون يا مولاي إن الشرطة عندما قالت لابد من كتب الكتاب أحست الفتاة بالنجاة من الفضيحة والسجن، لكنها ارتابت في زغرودة أم الشرور التي كانت جاهزة، ثم إنها خرجت وعادت بالمأذون أسرع من عودة الجني بأخبار ملكة سبأ للنبي سليمان. قال شهريار انجزي، ولا تلفي وتعيديننا إلي اليمن من جديد. قالت، فلما دخل المأذون يا مولاي سلم وجلس بين الفتاة والفتي، وعزفت الشرطة الموسيقي، ثم إنه فتح دفاتره وأخذ بطاقتيهما وأخذ يدون البيانات، وسأل العروس عن وكيلها قالت أنا وكيل نفسي، ورددت خلفه عقد النكاح وفعل الفتي مثلما فعلت. ورقعت أم الشرور زغرودة أشعلت وجنات مخدومتها بالفرح، وجعلت جمع الشركة ينكشح. وعاشت الحارة في رقص وغناء حتي الصباح، وأحست الفتاة بالأمان، فعادت تشبه الوردة المشرقة، كما قال فيها الشاعر: نظرت إليها نظرة فتحيرت دقائق فكري في بديع صفاتها فأوحي إليها الوهم أني أحبها فأثر ذاك الوهم في وجناتها.. ثم إنها في الصباح قالت لعريسها ألن نعود إلي الزمالك يا حبيبي؟ قال حبًا وكرامة، قالت: هل تحب أن نعيش في فيللتي أم فيللتك، أم نُقسم وقتنا بينهما، فأنا وحيدة وأنت وحيد. قال يا ملاكي أنا وحيد أكثر مما تظنين، لا أسرة ولا بيت، سنقيم عندك. قالت خدعتني أم الشرور. وسقطت مغشيًا عليها، فأخذ يشممها في الكولونيا والبصل حتي أفاقت ووجدت عينيه مبللتين بالدموع، لا تعرف هل هي دموع الفرح أم دموع البصل، لكنه تناول يدها وباسها، وأنشد علي رأسها: يا صاحبي لو بذلت الروح مجتهدًا وجملة المال والدنيا وما فيها وجنة الخلد والفردوس أجمعها بساعة الوصل كان القلب شاريها ثم إنه قال لها لو تعرفين يا سيدتي حكايتي عجيبة لو كتبت بالإبر علي آماق البصر لكانت عبرة لمن يعتبر، وسأكون لك نعم الزوج ونعم السند، فلا تعقدي حياتنا بالدموع، وأنشد لها من شعر اليمني الموجوع عبدالله البردوني: و العمر مشكلة ونحن نزيدها بالحلّ إشكالا إلي إشكال لا حرّ في الدنيا فذو السلطان في دنياه عبد المجد والأشغال و الكادح المحروم عبد حنينه فيها : وربّ المال عبد المال و الفارغ المكسال عبد فراغه والسفر عبد الحلّ والترحال و اللّصّ عبد اللّيل والدجّال في دنياه عبد نفاقه الدجّال لا حرّ في الدنيا ولا حريّة إنّ التحرّر خدعة الأقوال الناس في الدنيا عبيد حياتهم أبدا عبيد الموت والآجال وعادت الفتاة تحن إليه من جديد، وقالت معه كل الحق، العمر لحظة يجب أن نغتنمها، وأنشدت من شعر ابن نباتة المصري لنفسها: يا عذولي خلني أغنم عمري إن أعمار الوري كالسحب تسري دع فؤادي والذي يختاره ماعلي ظهرك ياعاذلُ وزري وأعجبتها فطنة الشاب، لأنه قرأ ما جال بخاطرها فأنشد لها: وداريت كل الناس لكن حاسدي مداراته شطت وعزّ نوالها وكيف يداري المرء حاسد نعمة إذا كان لا يرضيه إلا زوالها ثم إنهما عزما علي الرحيل فاستئذنا أم الشرور، الشاب مسرور، والشابة مرتاحة لكن مشوشة لا تعرف هل عليها أن تشكر خادمتها أم تلومها، وقالت في نفسها لن أقول شيئًا حتي أعرف ما قصة هذا الشاب المليح، هو صار إلي أقرب منها. وعندما أصبحا في فيللتها أخيرًا وقف الشاب مبهوتًا من فخامة الثريات والمفروشات حتي أنه خاف أن يدوس فوق السجاد فخلع حذاءه ومضي حافيًا بجوارها، وبعد أن تمالك نفسه احتضنها وقبلها، وبدأ في العبث بثيابها، قالت لن يكون هذا قبل أن تقول لي قصتك من أولها إلي آخرها.. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.