في ربيع عام 2013 انتدب رئيس محكمة استئناف القاهرة المستشار شعبان الشامي لنظر الطعن علي تجديد حبس مبارك في قضية القصور الرئاسية.. وفي غرفة المداولة الملحقة بقاعة المحكمة في اكاديمية الشرطة وجدت هيئة المحكمة أثناء تداولها أن هناك ما نعا قانونيا واضحا لتجديد حبس مبارك احتياطيا علي ذمة هذه القضية يتمثل في أن أمر الحبس الاحتياطي لم يراع تجديده من قبل النيابة في مواعيده القانونية منذ أن صدر أول مرة، ولذلك انتهت هيئة المحكمة إلي قرار برفض طلب النيابة بتجديد حبس مبارك مع علمها أن ذلك من شأنه اغضاب الحكم.. وقال رئيس المحكمة المستشار شعبان الشامي داخل غرفة المداولة المغلقة انه لا يعبأ بهذا الغضب ما دام يطبق صحيح القانون لانه لا سلطان علي القاضي سوي القانون وضميره ولا رقيب عليه إلا الله عز وجل.. لكن المستشار الجليل فوجئ بعدها بأيام قليلة بمن يخبره بما قاله في غرفة المداولة المغلقة، وتبين وقتها انه كان هناك من يتجسس ويتنصت عليه هو وزميليه عضوي اليسار واليمين في هيئة المحكمة.. وحدث ذلك قبل أن يفتضح أمر وضع أجهزة تنصت في مكتب النائب العام! وهكذا كان يتعامل الاخوان وهم في الحكم مع القضاء.. استباحوا استقلاله والتجسس علي رجاله وسعوا للسيطرة عليه وتطويع القضاء في خدمة جماعتهم وتنفيذ مخططاتهم.. لقد استهانوا بالقضاء واهانوا رجاله أكثر من مرة، حينما حاصروا المحكمة الدستورية العليا، وحينما اطاحوا بالنائب العام من منصبه وهو يتمتع بحصانة، وحينما دبروا للتخلص من عدد كبير من القضاة بخفض السن، وحينما كان الرئيس الاسبق مرسي يستدعي المجلس الأعلي للقضاء في قصره الرئاسي ولا يذهب إليهم في دارهم ويتعامل معهم كمرؤوسين له.. وأيضا حينما أصدروا اعلانا دستوريا يحصن قرارات الرئيس الاسبق مرسي، ما سبق منها وما لحق، من الطعن عليها أمام القضاء.. لذلك كان مفهوما أن ينتفض القضاة دفاعا عن استقلالهم. والآن بعد أن زالت الغمة بمشاركة القضاة جموع شعبهم كان من المفهوم أن يعودوا إلي الاحتفال بعيدهم السنوي الذي توقفوا عن الاحتفال به لنحو أربع سنوات متتالية بسبب الظروف التي مرت بها البلاد.. وها هو رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي يذهب إليهم في دارهم.. دار القضاء العالي ليحتفل معهم ويستمع منهم بشكل مباشر. فما أبعد اليوم عن البارحة.. بالأمس كان القضاء هدفا لمؤامرات الإخوان المستمرة.. واليوم لا أحد يتدخل في شئونهم ولا يقبل الرئيس المنتخب طلبات من الداخل والخارج للتدخل في شئون القضاء. ولعلها مفارقة بالغة الدلالة.. انه في ذات الوقت الذي ذهب فيه الرئيس المنتخب بأغلبية ساحقة الي القضاة في دارهم ليقدم لهم التحية والتقدير ويجدد لهم العهد وللشعب كله بأن يكون استقلال القضاء هو منهج الحكم، فإن الرئيس السابق الذي اهان القضاء واستهان بالقضاء وحاول فرض وصايته وجماعته عليهم تم استدعاؤه لاستئناف محاكمته في واحدة من ثلاث قضايا اتهم فيها.. هذه هي حكمة التاريخ التي سطرها المصريون بارادتهم وتتمثل في انه لا أحد يقدر علي قضاء حر مستقل نزيه 100٪ الرؤساء يذهبون والقضاء العادل هو الباقي.