يتجول الرجل الستيني بين عربات الحنطور المتراصة بعناية بالساحة المواجهة لقلعة قايتباي - التي كانت يوما أحد دروع مصر لصد هجمات الأعداء من البحر- بابتسامة عريضة أملا في التقاط زبون جاء ليستمتع بهواء البحر العليل في رحاب تاريخ المدينة بالبقعة الأجمل علي شاطئ عروس البحر المتوسط. « حنطور يا أستاذ.. جولة يا هانم» بهذه الكلمات ينادي عم أحمد علي زبائنه أملا في موافقة أحدهم علي عرضه باستقلال الحنطور في جولة بشوارع المدينة القديمة. اقتربت منه بينما يرمقني بنظرة الخبير بأصناف الوافدين إلي المنطقة.. عرفته بنفسي وسألته عن أحواله وكيف بدأت حياته مع الحنطور، والذي يعتبر أحد المعالم التي تميز كورنيش الإسكندرية. يبتسم الرجل بنوع من الثقة، مداعبا حصانه والذي يناديه باسم « فرج»، ثم قال:«أنا اسمي أحمد علي، ورثت مهنة قيادة الحنطور عن أبي وأجدادي منذ أن كان الحنطور وسيلة للمواصلات داخل الاسكندرية بعد الترام». ويضيف :« لدي 4 أشقاء..كلنا نعمل في هذه المهنة، فلم نعرف مهنة غيرها منذ ولادتنا.. وأولادي أيضا يعملون فهذا هو كار الأسرة والكل يعرفنا بذلك». يقترب شقيقه الصغير السيد قائلا:» كلنا شغالين في المهنة دي ومعانا رخص سياحة لأننا نضطر إلي دخول الميناء لتوصيل بعض الزبائن من الأجانب » يصمت الشقيق الأكبر ثم يستطرد في حديثه :» منذ سنوات حالنا واقف ومفيش زبائن كثير كالماضي فإحجام السائحين الاجانب عن القدوم إلي مصر عقب الاحداث التي شهدتها بعد الثورة أثرت سلبا علي عملنا بالفعل.. بس الأرزاق علي الله ». ويشير إلي أن تكلفة طعام الحصان في اليوم الواحد تتخطي الخمسين جنيها وفي بعض الاوقات لا يستطيعون أن يجدوا ثمن أكله بسبب قلة زبائن ركوب الحنطور». ويوضح أنهم ينظمون في بعض الاوقات سباقا للحنطور بمنطقة سموحة حيث يتباري سائقو الحنطور في التفاخر بسرعة الحصان، لافتا إلي أن هناك بعض المواسم التي يزداد فيها الاقبال علي ركوب الحنطور مثل فصل الصيف والأعياد والمواسم. وحول تاريخ مهنة الحنطور يقول علي: في الحقيقة لا أعلم بالضبط ولكن أجدادي أخبروني أنهم يعملون في المهنة منذ القدم وكان الحنطور هو وسيلة المواصلات داخل المدينة بعد الترام ولكن الآن اقتصر دوره علي الترفيه فقط لبعض الاسر التي تفضل ركوبه والقيام بفسحة علي كورنيش المدينة. ويختتم «سائق الحنطور» حديثه قائلا : «مهنتنا دي مش ممكن تنقرض أبدا.. لأننا نورثها لأولادنا وأحفادنا.. واللي يحب أبوه يحافظ علي كاره»